فإن كان مقتولا ففي القتل راحة وإن كان ممنونا عليه فمطلق وتولى بعده الخلافة أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله-أنار الله برهانه- وبايعه هذا السلطان. قال: وكان ملكشاه ملكا سيرته العدل، وسريرته الإنصاف والفضل.
شجاعا مقداما صائب الرأي والتدبير. حقيقا بالتاج والخاتم والسرير. أيامه في أيام آل سلجوق كالواسطة في العقد، قد تناسبت في الحسن بدايته ونهايته. وتناسقت في الإقبال فاتحته وخاتمته. ولم يتوجه إلى إقليم قسطنطينية، وقرر ألف دينار أحمر يحمل إلى خزانته من تلك الولاية، ووضع في النواحي التي فتحها من الروم خمسين منبرا إسلاميا، وعاد إلى الري، وقصد فتح سمرقند، ولم تزد مدة هذه الأعمال على شهرين.
ولما وصل سمرقند نزل عليها وحاصرها فظفر بخانها وهو في موضع سلطانها، وجرت له حروب عظيمة هزمه فيها وكسره، وظفر به وأسره. فحمل غاشية السلطان على كتفه وسار في ركابه من موضع سرير أفراسياب، الذي كان ملك ملوك الترك، إلى موضع سرير ملكه، وحمله أسيرا إلى العراق تحت الوثاق، ثم من عليه بالإطلاق.
وأنعم عليه بإعادته إلى ملكه. وإعادة نظمها إلى سلكه. وتوجه السلطان في السنة الأخرى إلى أوزكند، وصل حمل إنطاكية إليها، وانقاد له ملك الترك، ووصل به إلى أصفهان، ثم أكرمه وشرفه، وأعاده إلى مقره من بلاد الترك، وهذه السعادة كلها إنما تيسرت بسعادة الوزير الكبير، خواجه بزرك قوام الدين نظام الملك أبي علي الحسن ابن علي بن إسحاق رضى أمير المؤمنين، الوارف الظل الوافر الفضل. وكانت وزارته للدولة حلية، وبهجته للمملكة زينة. كأنما خلقه الله للملك والجلالة مصورا. وكان الإقبال له معلما، والظفر مسخرا. قد مشى في ركابه سلطان العرب مسلم بن قريش وقبل حافر مركوبه، وكانت ملوك الروم وغزنة وما وراء النهر في ظل حمايته، وكنف رعايته. وكانت ملوك الأطراف يقبلون كتفه إجلالا وتشريفا، ويتشرفون بلبس خلعه.
وكانوا أنجادا له على أعدائه وجر الجحافل الثقيلة، والعساكر الكثيفة. وبقي في صدر الوزارة ثلاثين سنة.
صفحه ۲۱۸