قال: وكانت وفاته ليلة الخميس ثالث عشر شعبان سنة 467 ه، وقد كان زرع عمره استحصد فما اقتصد، وفي ألم ألم وافتصد. ونام منفردا فانفجر فصاده، لما غلبه رقاده. وخرج منه جم كثير أقوت منه قواه، وانتبه والضعف قد تضاعف، والحمام قد شارف. فطلب ثقاته واستحضر عدة الدين وأودعه وصايا يكون بها عن القائم القائم 1. وأحضر النقيبين وقاضي القضاة والقاضي أبا الحسن بن البيضاوي والقاضي أبا محمد بن طلحة الدامغاتي، والوزير قائم، والقائم مستند في شباك، وهو في سكون يشعر بما ليس بعده من حراك. وقال لهم: «اشهدوا على ما تضمنته هذه الرقعة كتبت فيها سطرين بخطي» ثم قضى نحبه. وتولى أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله أبو القاسم عبد الله بن الذخيرة أبي العباس محمد بن القائم، وبويع يوم وفاة جده، وجلس في دار الشجرة على كرسي، بقميص أبيض، وعمامة بيضاء لطيفة، وفوقها طراحة قصب دري. ودخل الوزير فخر الدولة أبو نصر، وولده عميد الدولة أبو منصور، واستدعى مؤيد الملك بن نظام الملك والنقيبان وقاضي القضاة وحضر أعيان الدولة من ذوي المراتب والكفاءة، وهناك نور الدولة دبيس بن علي المزيدي وولده بهاء الدولة وأبو عبد الله محمد بن حماد الأسدي وبايعوه، وعاقدوه على الطاعة وشايعوه. وصلى بناس في صحن السلام وأئتموا به، وصلى على القائم وأغلقت الأبواب ببغداد ثلاثة أيام لعقد المأتم، وجلس فخر الدولة الوزير وابنه عميد الدولة للعزاء ثلاثة أيام، ومضى عميد الدولة إلى السلطان ملكشاه لأخذ البيعة عليه، وحمل عهده إليه. وعاد إلى بغداد في سنة 468 ه وأوصله الخليفة إلى مجلسه الأشرف، وخصه بإكرامه الألطف. وكان قد سير من الديوان القاضي أبو عبد الله محمد بن محمد البيضاوي في صحبة مؤيد الملك إلى والده نظام الملك ليسير منه إلى غزنة، ويأخذ البيعة على صاحبها، فعاد مصحوبا بالجدة قد أترب وفرع الرتب. ولما سكن إلى الثراء سكن إلى الثرى. وتوفي في شهر ربيع الأول من سنة 470 ه وكان فاضلا على مذهب الشافعي ذكيا.
قال: وفي سنة 468 ه جد الجدب وحل المحل، وحط للقحط الرحل.
صفحه ۲۱۵