ولما أصبحوا بكرة يوم الخميس وصل السلطان ألب أرسلان ونزل على النهر، ومعه من المقاتلة الأتراك خمسة عشر ألف فارس لا يعرفون سوى القتل والقهر. وكلب الروم نازل بين خلاط ومنازكرد في موضع يعرف بالزهرة، وهو في مائتي ألف فارس من ذوي القلوب المدلهمة، والوجوه المكفهرة، وبين العسكريين فرسخ، وبين مجرى التوحيد والتثليث برزخ. فأرسل ألب أرسلان رسولا، وحمله سؤالا وسؤلا. ومقصوده أن يكشف سرهم، ويتعرف أمرهم، ويقول للملك: إن كنت ترغب في هدنة أتممناها، وإن كنت تزهد فيها توكلنا على الله في العزيمة وصممناها. فظن أنه إنما راسله عن خور، فأبى واستكبر، ونبا وتعسر، وأجاب بأني سوف أجيب عن هذا الرأي بالري.
وانتهى عن النهي إلى غاية الغي. فاغتاظ السلطان وارتفعت بينهما المخاطبة، وانقطعت المواصلة. ولبث يوم الخميس الخميسان 1يعبيان، ولداعي المنون يلبيان. والشمس تشكو حر ما تصاعد إليها من زفرات الأحقاد، وكأنما شعاعها دم أراقته على الآفاق وخزانات تلك الصعاد. والطلائع على المطالع، والمنايا على الثنايا. والعزم السلطاني إلى اللقاء مشرئب، وللمضاء مستتب، فقال له فقيهه وإمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: «إنك تقاتل عن دين الله الذي وعد بإظهاره، فألقهم يوم الجمعة بعد الزوال، والناس يدعون لك على المنابر».
صفحه ۲۰۸