170

قال: كانت بلاد خراسان في أيام ملكشاه ساكنة الممالك، آمنة المسالك مشحونة الأطراف بالشحن، مسكونة الأكناف بالسكن. موطنة الديار بالأبرار، دارة المواطن بالمبار، ونظام الملك بنظام الملك مستتب مستدف، ونائله لذوي الفضل مستكف ولذوي الجهل مستكف. وما بخراسان رأسان، وما تسلط بها سلطانان. فلما استشهد النظام، وأباح حمى ملك ملكشاه الحمام انفسخت تلك العقود، وانتخت تلك العهود. واستشرى الشر، واستضرى الضر. واستولى كل صغير على كبير، وكل مأمور على أمير.

وكان للسلطان ملكشاه أخ يقال له أرسلان أرغون، وكان مقطعا بمبلغ سبعة آلاف دينار في نواحي همذان وساوه، فقيل له: إلى كم تلزم مرارة العطلة والقناعة؟

وتهجر حلية الملك والحلاوة؟ وحركوا ساكنه، وبعثوه على شغل أخلى عنه مساكنه.

فنزل عن قراء القرار، وركب مطا المطار. واشتد بطل الطلب، وشد لبب الخبب.

وجاء إلى نيسابور فما تمكن منها، ودفعه أهلها عنه فصدع مروة مرو، وقال أملكها ولا غرو. فانقاد لأمره الأمير قودن شحنتها، وجعلت تحت مكنته أمكنتها. فقوى أرسلان أرغون بقودن، فإنه وجد الجواد وعدم الكودن. واستولى على بلخ وترمذ، وصفت له خراسان، وحيزت بلدانه البلدان. وكتب إلى ابن أخيه السلطان بركيارق: "إني قد ملكت موضع جغري بك داود جدي، يجدي وجدي، وقد رضيت به رضاء قانع، وأنا فيما سواه غير طامع ولا منازع. وأنا باذل لما تطلبون، وحامل لما فيه ترغبون". فرأى بركيارق أنه بالعراق في شغل شاغل، وهم زائد غير زائل. فأمسك عنه، وأظهر أنه قبل منه.

ثم بدا له وآثر قتاله، وكان عنده عمه الآخر بوري برس بن ألب أرسلان فأنهضه لقتال أخيه، وضم إليه مسعود بن ماجر، وأمير آخر التونتاش، واجتمعت عليه عساكر خراسان، فطار من النشاط وطاش، وحث العزم البطاش. فأما مسعود، فإن التونتاش توهم منه بما قيل له، ففتك به وبولده، وصار الأمر كله في يده. ووزر للملك بوري برس، عماد الملك أبو القاسم بن نظام الملك، فوضع ورفع، وفرق وجمع، وخرق ورقع، وضيق وأوسع. وصاف بوري برس أخاه أرسلان أرغون وصدمه وحط عليه وحطمه، وهز طوده وهزمه. فعاد أرسلان أرغون إلى بلخ مكسورا مخسورا، وأقام بوري برس بمكانه منصورا مسرورا.

صفحه ۳۵۲