بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
ژانرها
إلى المرء من حبل الوريد تدانيا
ليس لأبحاث خالد الكيميائية قيمة معرفية أو إضافة علمية، لكن لشخصيته دورا حضاريا كبيرا في الكيمياء عربيا وعالميا، الأولى: لأنه فتح البوابة أمام العرب في هذا العلم، وفي الترجمات التي قامت بالدور المعرفي الخطير في العلم العربي، وعالميا لأنه رفع قدر الكيمياء بأن اشتغل بها أمير، بعد أن كانت قاصرة على الصناع الباحثين عن الكسب أو راغبي الذهب الباحثين عن الثراء السريع، فضلا عن المشعوذين والدجالين.
ولكن هل تأثر به جابر بن حيان، إذا تذكرنا أستاذ خالد - وهو ماريانس - وجدنا جابرا يقول في «كتاب الراهب»، عن هذا الراهب الذي أخذ عنه علم الصنعة، فأسمى الكتاب باسمه:
كنت مشتاقا إلى رؤيته، وذلك أنه بلغني عنه أنه أخذ العلم عن مريانس الذي كان خالد بن اليزيد أنفذ في طلبه ووضع عليه العيون والأرصاد حتى أخذه من طريق بيت المقدس، وكان يهدي في كل سنة ذهبا كثيرا، وإنما لما مات خلفه هذا الراهب.
50
واضح من النص أن ثمة فجوة زمانية بين خالد وجابر، فكان تأثره الحي والعميق بالعلم الثاني من أعلام الكيمياء العربية الإمام الشيعي الاثني عشري أبي عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، كان جعفر عالما، له باع في الصنعة،
51
وتتلمذ جابر عليه، ثم غطت إنجازاته وشهرته تماما على جعفر وخالد.
لكن الولاء الشيعي لجعفر الصادق كان يغمر نفس جابر، فيوجه معظم كتاباته إلى الإمام جعفر الصادق مخاطبا إياه بلقب: «سيدي»، ويقر أنه تلقى العلم عن سيده جعفر، وتنسب إليه أفكار شيعية متطرفة مقترنة بنزعات سياسية ثورية، منها التبشير بقرب ظهور إمام معصوم من ذرية علي، فضلا عن الزعم بوجود صلة بين جابر والقرامطة. لقد لاحظنا فيما سبق مثول البعد الشيعي في تصور جابر للعلم، وهو في الواقع مثول كثيف. فمثلا: مصدر العلم عنده وحي يوحي للنبي ثم يتوارثه خلفاؤه المعصومون فيقول جابر عن كتبه: «تأخذ منها علم النبي وعلي وسيدي وما بينهم من الأولاد منقولا نقلا مما كان وهو كائن وما يكون من بعد إلى أن تقوم الساعة.»
52
صفحه نامشخص