والذي يفهم من قوله: «عادة ملوك الروم» أن هذا العلم كان على مثال العلم السلطاني أي الأحمر ذي الدائرة الخضراء في وسطه. ويؤيد ذلك كون الغوري بالغ في إعظام شأن هذا الأمير وإظهاره بمظهر السلاطين ليبلغ به مقصده فيبعد أن يكون اتخذ له علما جامعا بين الخضرة والحمرة من أعلام الوزراء أو الجند.
ولم تكن نهاية هذا الأمير بخالية من ذكر علم آخر أيضا؛ فإنه عاد إلى مصر بعد هزيمة المصريين وبقي معظما عند طومان باي ثم اختفى بعد القبض على هذا السلطان، وظل مختفيا إلى أن حدثت حادثة اليكيچرية
2
وجنوحهم إلى العصيان سنة 924 في ولاية خير بك فأخذوا في البحث عنه ليبايعوه، فلم يوفقوا ثم ظفر به خير بك فقتله خنقا وأخرج لهم جثته ليفت في عضدهم ثم جهزه ودفنه، قال ابن إياس: «فلما صلوا عليه بالحوش حملت الأمراء نعشه على أكتافهم ثم نزلوا به من سلم المدرج ووضعوا عمامته على نعشه ورفعوا عليه علما أبيض، ثم توجهوا به إلى تربة البجاسي
3
فدفنوه فيها على أقاربه، وكانت جنازته مشهودة، وكثر عليه الأسف والحزن من الناس فإنه كان شابا جميل الصورة حسن المنظر له من العمر سبع عشرة سنة وقد قتل ظلما بغير ذنب وقد تناحرت عليه العثمانيون بالبكاء.» انتهى.
ولعل رفع العلم الأبيض على نعوش الأمراء كان عادة عند العثمانيين، غير أننا لم نقف على شيء عنها، ولا يبعد أن تكون آتية من اتخاذ البياض علامة للحزن في بعض الأزمنة ببعض البلاد الإسلامية.
وذكر ابن إياس علم العثمانيين في موضع آخر (ج3 ص105) فقال في حوادث استيلاء السلطان سليم على القاهرة: «فلما هرب السلطان طومان باي وقتل من قتل من الأمراء والعسكر رجع السلطان سليم شاه إلى وطاقه
4
الذي في الجزيرة الوسطى ونصب في وطاقة صنجقين أحدهما أبيض والآخر أحمر؛ وذلك إشارة عندهم لرفع السيف عن أهل المدينة، هكذا عادتهم في بلادهم إذا ملكوا مدينة وفتحوها بالسيف عنوة.»
صفحه نامشخص