تاریخ علم ادب
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
ژانرها
ومن هذه المنظومات أيضا «أغاني قرصان البحر» صور فيها كيف كانت المراكب تجري في البحر المتوسط، وتغير على ما في سواحله من بلاد الإفرنج، وتأسر البنات والغلمان، وتبيعهم في السرايات وللباشاوات، ومنها «الأسيرة» و«ضياء القمر» و«النقاب» صور في هذه المنظومة غيرة الإخوة على أختهم، وقتلها لانكشاف الحجاب عنها بسبب الهواء، وهي مارة في الطريق أمام باب الجامع، وبعد قتلها كفنوها، وقالوا لها: هذا حجاب لا يكشف ستره، ونحو ذلك من القصائد.
ولم يدع مدينة من مدن الشرق المشهورة إلا وذكرها في هذا الديوان، وأكثر من ذكر مدن إيطاليا وإسبانيا إدخالا لهما في الشرق، وكان لهذا الديوان رواج عظيم حينما نشر لعلاقته إذ ذاك بالمسائل السياسية الحاضرة، أما اليوم فقد ذهبت طلاوته وزال رونقه وقلت الرغبة فيه؛ لأن فيكتور هوكو فضلا عما كان عليه إذ ذاك من التغرض والتعصب الأعمى لم ير الشرق بعينه، ولا عرفه إلا بدرس الكتب ومطالع ما نظمه الشعراء مثل شاتوبريان وبايرون وكوتيه ناظم «ديوان أورينتال» وأمثالهم، وطالع أيضا ما ترجم من كلام الحافظ الشيرازي والشيخ سعدي صاحب الكلستان، ومن شروط أهل الطريقة الرومانية الكتابة والنظم عن رؤية وانفعال نفسي؛ ولذا يجدون شعور فيكتور هوكو في الشرقيات مبهما وكلامه مصنعا لا طبيعيا، بخلاف القسم المتعلق بالأندلس وإسبانيا من هذا الديوان، فلم يزل له رونق واعتبار عند أدباء الإفرنج؛ لأن الشاعر زار إسبانيا في صباه وقرأ مع أولادها في المدرسة، فساعدته ذاكرته على وصف ما فيها بأحسن صورة وأبدع أسلوب، ومنظومته التي عنوانها «غرناطة» هي السحر الحلال كأنها كتاب في الجغرافية أفرغ في قالب شعري، ومنها يتضح تبحر الشاعر في علوم الجغرافيا والتاريخ والآثار القديمة والفلسفة، وقد ترجمنا هذه القصيدة بالحرف لتعلم أساليب الشعر الإفرنجي ومناحيه.
غرناطة
لا توجد مدينة لا بعيدة ولا قريبة، لا عربية ولا إسبانية تنازع غرناطة الجميلة في تفاحة الحسن،
35
ولا تظهر أكثر منها أبهة شرقية ولا رشاقة تحت سماء ألطف من سمائها، قادس فيها النخل، مرسية فيها أشجار البرتقان، جيان فيها القصر القوطي ذو القلل الغريبة، أغريدة فيها الدير الذي بناه القديس أدمون، سيغوفه فيها الهيكل الذي تقبل أعتابه وفيها قناة قائمة على ثلاثة صفوف من القناطر تجر إليها المياه من قمة الجبل، ليير فيها الأبراج، برشلونه فيها عمود على رأسه منارة مطلة على البحر، تودله (تطيله) راعية لصداقتها لملوك أراغون، وهم في قبورهم العتيقة وحافظة لصولجانهم الحديد، طلوشه فيها سوق الحدادين المظلم كان دكاكينه في الدجا منافس على جهنم.
السمكة التي شفت في غابر الأزمان عين توبيا من العماء تلعب في جوف الخليج، الذي رقدت فيه «فونتارابي»،
36
اليقانت تمتزج فيها المآذن بالجرسيات، قومبو ستله فيها قديسها، قرطبة فيها الدور العتيقة وفيها الجامع الذي تحار العين في عجائبه، مادريد فيها نهر مانزانارس، بلباو تغطيها أمواج البحر ويكسي المرج الأخضر سورها المسود من الهرم، مدينة ذات الشجاعة العظيمة تخفي فقرها من كبرها تحت رداء دوقاتها، وليس لها شيء سوى شجر الجميز؛ لأن قناطرها الجميلة من بقايا العرب وقنواتها من بقايا الرومان، بلنسية فيها جرسيات كنائسها الثلاثمائة، القنطرة ذات التقى أسلمت لهبوب النسيم رايات الترك المعلقة على عواميدها،
37
صفحه نامشخص