تاریخ علم ادب

روحی الخالدی d. 1331 AH
128

تاریخ علم ادب

تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو

ژانرها

كتب شاعر عن جنة عدن الضائعة، وكتب شاعر آخر عن النار، فالدنيا بين الجنة والنار، والحياة بين البداية والنهاية، والإنسان بين أول إنسان وآخر إنسان، فالإنسان موجود باعتبارين أحدهما بالنظر للجمعية، والثاني بالنظر للطبيعة، ووضع الله الشهوة في الإنسان، ووضعت الجمعية فيه العمل، ووضعت الطبيعة فيه الخيال، فمن الشهوة الممزوجة بالعمل؛ أي من الحياة في الحاضر ومن التاريخ في الماضي تولد «الدرام»،

46

ومن الشهوة الممزوجة بالخيال تولد الشعر بمعناه الأصلي، فإذا نزل توصيف الماضي إلى التفصيلات العلمية، وإذا نزل توصيف الحياة إلى التشريحات الدقيقة صار الدرام رومانا، فالرومان ما هو إلا درام مفصل تارة بالفكر، وتارة بالقلب تفصيلا لا يليق بالتمثيل على المراسح، وعدا هذا فالشعر فيه درام، والدرام فيه شعر، فالدرام والشعر ينفذ كل منهما في الآخر كما تنفذ الحواس في الإنسان، أو كما ينفذ النور في الأجسام، والعمل فيه أحيانا خيال، مثال ذلك ما قاله السيد في الرواية التي ألفها قورنيل: «هذا النور المظلم الذي يهبط من النجوم.»

لا أحد في هذا الكون يتخلص من السماء الزرقاء والشجر الأخضر، والليل المظلم والرياح العاصفة والطيور المغردة، وليس من مخلوق يقدر على التجرد من الخليقة - على حد قول المعري: أأخرج من تحت هذي السماء، فكيف الأباق وأين المفر - ومن جهة أخرى الخيال فيه أحيانا عمل ... لأن الواحد يتمم الآخر والشيء يكمل بعضه البعض، فالجمعية تقوم في الطبيعة والطبيعة تظرف الجمعية.

فالشاعر تنظر إحدى عينيه للإنسانية والأخرى للطبيعة، والعين الأولى تسمى الملاحظة، والأخرى تسمى التصور، فمن هاتين العينين الشاخصتين في موضوعهما يتولد في مخ الشاعر إلهام يقال له: القريحة ... إلخ.

ثم افتتح المؤلف هذا الديوان بقصيدة عنوانها «وظيفة الشاعر»، وكان تكلم على هذه الوظيفة في مقدمة الديوان الأول، وقال: ينبغي للشاعر أن يكون للأمة نورا يسعى بين يديها، ويريها طريق الصواب، ويقودها إلى المبادئ الحسنة، وهي الانتظام والشرف ومكارم الأخلاق؛ ولتكون سلطة الشاعر هينة على الأمة يلزم أن يهتز بين أصابعه جميع ألياف القلب الإنساني كما تهتز أوتار العود، ويلزم أن لا يكون كلام الشاعر صدى لكلام أحد سوى كلام الله تعالى، وينبغي للشاعر أن يذكر الأمة بأن لها دينا وأن لها وطنا، وهذا ما أغفل ذكره المتقدمون، وأن ينشر دائما بأشعاره ما يكون لبلاده من الإقبال والإدبار، وما في دينه من الزهد والاستغراق في الحب حتى ينال المتقدمون عليه والمعاصرون له شيئا من قريحته ومن روحه وحتى لا يقول عنه من يأتي بعده في المستقبل بأنه كان ينشد أشعاره بين قوم جاهلين.

وبين فيكتور هوكو في القصيدة التي عنوانها وظيفة الشاعر أفكاره، وشرحها أحسن شرح وشبه الطبيعة بعود كبير وشبه الشاعر بريشة إلهية يضرب بها على أوتار هذا العود، فالشاعر يلهم الشعر وهو يسبح بين غياض الأشجار، وعلى سواحل البحار ويسمع هدير الماء، وتلاعب النسيم بالأوراق.

وقال في آخر القصيدة الرابعة: انشر أيها الشاعر نشيدك الديني بين العائلات وبين الصبيان والبنات وبين الشيوخ، وأرد بإصبعك الساحل للذين سارت بهم السفن في لج البحر والأرياح متغيرة،

47

وأرد للعذارى العصمة وهي كوكب السعد والشرف، وأرد للجمهور المحراب الذي غطاه الكفر، وأرد للشبان المستقبل وللشيوخ الخلود، وصب دليلك في عقول الرجال والنساء، وأرد لكل منهم الصحيح من الجهة المقنعة حتى يجد عندك كل مفكر ما يفتش عليه، أغرس محبة الله في القلوب والق في كل نفس كلمة إلهية من جنس ما تشعر به ... إلخ.

صفحه نامشخص