============================================================
ذكر إبراهيم عليه السلام شفقت على نفسي من هذا الحمل أشد من إشفاقي قبل هذا وأنا أخاف الموت، فأنشدك بحق الصحبة أن تنطلق إلى الإلكه الأعظم يعني الصنم فتسأله لي السلامة والخلاص وتقيم معه إلى وقت علمك بخلاصي من حملي، فقال: سأفعل ذلك بحقك علي، وذهب آزر فأقام عاكفا على الصنم في بيت الأصنام أربعين ليلة فأصلحت آم إبراهيم ما أرادت من آمرها، فلما ولدت إبراهيم آمرت بحفر سرب في الأرض فهيأت فيه كل ما يحتاج إليه الصبيان وغيبت فيه ابراهيم، ثم أرسلت إلى آزر وأخبرته بخلاصها وسلامتها فرجع إليها آزر وسألها عن الولد. فقالت: ولدت غلاما وكانت به عاهة شديدة ومات من ساعته، فاستحييت آن يطلع عليه الناس فقبرته فصدقها زوجها وشكر الله على ما كان من سلامتها وجعلت آم إبراهيم تدخل عليه إذا غاب زوجها فترضعه وتصلح آمره، إلى آن بلغ إبراهيم وقت الفصال تمام حولين ففصلته. قال ابن عباس فكان إبراهيم يشب في اليوم كالجمعة وفي الجمعة كالشهر وفي الشهر كالسنة وكان إذا أبطأت عليه أمه دخلت عليه وجدته يمص إبهامه فيسيل له لبنا وعسلا، ومن هنالك يمص الصبيان إبهامهم إلى اليوم وذكر الكلبي (1) أن ابراهيم قال لأمه ذات يوم وقد دخلت عليه: يا أماه من رتي؟ قالت: أنا، قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن ربه؟ قالت: الملك نمرود. قال: ومن رب نمرود؟
قالت له: اسكت فأسكتته وخرجت إلى زوجها فقالت: أريت الغلام الذي حدثنا عنه أنه يغير دين أهل الأرض قد ظهر ثم أخبرته خبر إبراهيم وما فعلت في آمره فقام إليه أبوه وأراد آن يفعل به سوءا فلما رآه آلقى الله محبته وزينه في عينه، فلم تسمح نفسه بمكروه ويقال: لا بل إبراهيم لما بلغ ثلاث عشرة سنة خرج من السرب ذات يوم مغافصة ودخل آبوه، فرآه فقال لامرأته: من هذا الغلام الذي أخطأه الذبح وكيف خفي آمره حتى لم يقتل وهم آن يبطش به، فقالت له امرآته: على مهلك حتى أخبرك خبره، اعلم أنه ابنك فقال لها: وما حملك على خيانة الملك وتعريضه للبلاء الذي لا قبل لنا به، فقالت: لا يهمك هذا فإني أضمن لك الملك وأخرجك من هذا وذلك إنما فعلت هذا نظرا لك ولي وللملك وعامة الناس، وذلك آني حين وضعته كتمته إلى أن يكون رجلا فإن كان عدوا للملك وهو الغلام الذي ذكر له سلمناه إلى الملك فيقتله فيكون قد ظفر بعدوه وفرغ منه قلبه ونجا الناس مما هم فيه من قتل الأولاد، وإن لم يكن مخالفا للملك فإذا أسلمناه إليه وعرف أنه غير الذي يطلبه لم يقتل ولدك باطلا فقال آزر: ما أظنك إلا وقد أصبت الرأي فكيف لنا أن نعلم أهو (1) الكلبي: المقصود ابن الكلبي هو هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر (ت 4 20 ه).
صفحه ۶۸