============================================================
ذكر ما كان من فساد بني اسرائيل وتسليط العدو عليهم مجرى الدهر كان قد غير من حاله فقبله وجعل يوجهه في آموره حتى صار من قواده وجعل لا يتوجه في وجه إلا ظفر فلما خرج سنحاريب إلى بيت المقدس خرج معه بخت نصر وهو كاتبه يومئذ، فلما كان من سنحاريب ما ذكرناه من قبل ورجع إلى بلاده بعد البلاء والحبس وكان معه بخت نصر حتى مات سنحاريب وصار الأمر إلى بخت نصر كما ذكرناه في الروايتين ثم إن بني إسرائيل ظهرت فيهم الأحداث والفساد وكان ملكهم يومئذ رجل يقال له ناشية بن أموص، وقد بعث الله تعالى نبيا يقال له أرميا فجعل يعظهم فلا يقبلون منه فسمع بخت نصر بأمرهم وفسادهم فطمع فيهم بالمسير إليهم، فأوحى الله تعالى إلى آرميا بن خلقيا، وفي رواية وهب إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم فقام على صخرة بيت المقدس وأنذرهم فقال آرميا وشق ثيابه وحثا التراب على رأسه وقال: يا رت ليت أمي لم تلدني حتى لا أرى هلاك بني إسرائيل وخراب بيت المقدس، ثم إن الله تعالى أوحى إليه أن قل لهم إن لم يرتجعوا ولم يتوبوا عما هم فيه سلطت عليهم عبدة النيران الذين لا يخافون عذابي ولا يرجون ثوابي فبلغهم أرميا ذلك فكذبوه وقال: أعظمت على الله الفرية أتزعم أن الله تعالى يخرب مسجده ويهلك عباده المؤمنين ويسلط عليهم أحذا لقد كذبت على الله تعالى. ثم إنهم آخذوه وحبسوه فبعث الله تعالى عليهم بخت نصر فجاء بجنوده حتى نزل على باب بيت المقدس وحاصرهم فلما طال عليهم الحصار نزلوا على حكمه فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم ولم يترك إلا الزمنى والهرمى والعجائز وهدم بيت المقدس وخرق التوراة ووطىء الشام كلها وأفتى بني إسرائيل، ثم إنه طلب دانيال الذي كان أعطاه كتاب الأمان فوجده قد مات فجاءه أهل بيته بذلك الكتاب وفيهم رجل يقال له دانيال بن حزقيل مع نفر من أهل دانيال الأول فأمضى لهم ووفى بعهده لهم، وكان دانيال بن حزقيل خلفا من دانيال الأكبر في الحكمة وانصرف بخت نصر راجعا إلى بلاده وحمل معه أموال بيت المقدس وساق معه السبايا فبلغ عدد الغلمان الذين سباهم من أبناء الملوك والأحبار سبعين ألف غلام، وقال هذا ما ذكر الله تعالى حيث قال بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأي شديد فجاسوا خلكل الديار وكاب وقدا مفعولا} (الاسراء: الآية 5) لأن سنحاريب لم يدخل بيت المقدس ولما أن فرغ بخت نصر منهم ومن قتلهم قيل له قد كان لهم نبي ينذرهم ويخبرهم بأمرك وغلبتك عليهم وهدمك مسجدهم وحرقك كتابهم فكذبوه وحبسوه فأمر بخت نصر فأتى بأرميا النبي من السجن فسأله عن أمره فأخبره أنه كان قد أخبر بني إسرائيل بما أصابهم، فقال له: ومن أين علمت ذلك؟ قال أرميا: أرسلني الله تعالى إليهم بذلك فقال بخت نصر بثس القوم قوم كذبوا نبيهم وضربوه وحبسوه، ثم استصحب أرميا وقال له تكون معي لأحسن إليك وإن شئت أقمت ببلادك آمنا فقد أمنتك فقال أرميا إني لم أزل في أمان الله تعالى ولو أطاعني
صفحه ۲۹۹