232

تاریخ آداب زبان عربی

تاريخ آداب اللغة العربية

ژانرها

توحيدة زفت ومعها الحور [بدا = 7، توحيدة = 433، زفت = 487، ومعها = 122، الحور = 245]

سنة 1294 (أ)

فترى من قصائد المدح أن أغلبها مبدوء بالنسيب وهو أسلوب غريب؛ ولعل سببه أن شعراء العرب كانت أشعارهم في الغالب حكاية عن واقع، فكان الشاعر يقص على الممدوح في مدحته ما انتابه من فراق امرأته أو ابن ته ذات المكانة في فؤاده لما لها من الصفات الحسان، ولا يأنف من ذكر اسمها ولا صفاتها، ويقص عليه أيضا ما اعتراه وراحلته من عناء السفر وركوب الخطر حتى وصل إليه، ثم يمدحه فيستعظم الممدوح حال الشاعر ويجزل له العطاء استعاضة لما نابه، فلما جاء الشعراء المتأخرون أرادوا أن ينسجوا على منوال شعر العرب، فافتتحوا مدائحهم بالتشبب بمحبوب اخترعه وهمهم وخيالهم، وصار هذا الأمر عادة مألوفة لهم. وقال الدسوقي: إن السبب في ذلك تهييج القريحة وتحريك النفس للشعر والمبالغة في الوصف وترويح النفس ورياضتها. وقال أحمد فارس إنه لا شيء أفظع عند الإفرنج من أن يروا في قصائد المدح تغزلا بامرأة ووصفها بكونها رقيقة الخصر ثقيلة الكفل نجلاء العينين سوداء الفرع وما أشبه ذلك، وأفظع منه التشبب بغلام، وأقبح من هذا وذاك نسبة شيء من صفات المؤنث إلى المذكر؛ كقول الشاعر: «كأن ثدياه حقان»، فإنهم أول ما يبتدئون المدح يوجهونه إلى المخاطب ويجعلونه ضربا من التاريخ، فيذكرون فيه مساعي الممدوح ومقاصده وفضله على من تقدمه من الملوك، وأنه لما مدح أحمد باشا والي تونس بقصيدته التي مطلعها: «زارت سعاد وثوب الليل مسدول»، سئل: هل اسم الباشا «سعاد»؟ فقال: لا، بل هو اسم امرأة. فقال السائل: وما دخل المرأة بينك وبين الباشا؟!

وأقول: إن العرب ما كانت تشبب بالغلمان قط، وإن هذا ما جاء إلا في شعر المتأخرين، ولم نر في أشعار هؤلاء وأولئك نسبة شيء من صفات المؤنث إلى المذكر، واستشهاد أحمد فارس على هذا بقول الشاعر: «كأن ثدياه حقان» وهم؛ فإن الضمير في «ثدياه» لا يعود لمحبوب مذكر أن توهمه، بل يرجع إلى الصدر في الشطر الأول من البيت، وهو: «وصدر مشرق النحر كأن ثدياه حقان»، ومن أنى جاءه أن هذا الصدر صدر غلام وليس صدر فتاة ولم يرو ما قبل هذا البيت ولا ما بعده من الأبيات، وهو من شواهد سيبويه التي لا يعلم قائلها. وكونه صدر فتاة أحق وألزم. وقد قال الشيخ جمال الدين بن هشام: «وصدر» مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: ولها صدر. ولم يقل: وله صدر.

هذا وقد هجر كثير من شعراء العصر الأسلوب العربي القديم كما ترى في قصيدة حفني بك وغيره. (ب)

وترى من قصائد النسيب أنهم يذكرون رحيل النساء ونأيهن، ويخاطبون أطلالهن ويصفون محاسنهن، ويذكرون أيام شباب ولهو ولذات قضوها معهن، قال بعض: والنسيب نوع من التشبب، وهو المعبر عنه بالغزل، وهو عند المحققين من أهل الأدب يشتمل على أربعة أنواع: (1) ذكر ما في المحب من الصفات؛ كالشغف والنحول والذبول والحزن والأرق. (2) وذكر ما في المحبوب من الصفات؛ كحمرة الخد، ورشاقة القد، والملاحة والخفر. (3) وذكر ما يتعلق بهما من هجر وصد ووصل وسلو واعتذار ووفاء وإخلاف ونحو ذلك. (4) وذكر ما يتعلق بغيرهما بسببهما من الوشاة والرقباء ونحوهما . (ج)

وترى من قصائد الرثاء أنها دائرة حول الجزع على الفقيد، وفيض العبرات، والحزن والأسف عليه، ووصف مآثره ونحو ذلك. (د)

وبالإجمال ترى أن كل نوع من الشعر يناسب زمانه ومكانه، كما يعلم ذلك من التتبع.

الفصل الثالث

فيما يتبع الشعر

صفحه نامشخص