وقد زينه الله بتلك الزينه كما أخبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلم تكن الدنيا عند علي (ع) تساوي شيئا، ولم تغره مطامعها وزخارفها فأبانها ثلاثا وقال لأصحابه: (( والله إن دنياكم هذه لا تساوي عندي عفطة عنز )).
وقد عاش (ع) حياة الفقراء يلبس من الثياب ما خشن لم يكن له إلا ثوب واحد رقعه حتى استحيا من راقعه ويأكل من الطعام ما جف ويطعم غيره الخبز واللحم، لم يجعل الدنيا إلا طريقا للعدالة والإسلام. وقد قال لإصحابه: ((فوالله ماكنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوب طمرا، ولا حزت في ارضها شبرا، ولا أخذت منه كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى وأوهن من عفصة مقرة مرة )).
وفي الجانب الآخر انعكس زهده على نفسه جودا وكرما على الأخرين. فكان عليه السلام كله كرما، وإيثارا، وإخلاصا. ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية. فغمرت هذه الصورة المشرقة في سماء البشرية قلوب الناس بحب علي (ع)، واعترف حتى ألد إعدائه بفضله وكرمه فقد قال يوما: (( مخفي بن مخفي الضبي )) عندما قدم على معاوية وسأله من أين جئت فقال: (( جئتك من عند أبخل الناس)) يقصد علي (ع).
فقال معاوية: (( ويحك كيف تقول أنه أبخل الناس ولو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه )) (1) .
وقال الأحنف بن قيس: (( دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال قدموا ذلك اللون!!
فقدموا لونا ما أدري ماهو؟
فقلت ما هذا؟
فقال: (( مصارين البط محشوة بالمخ، ودهن الفستق، قد ذر عليه السكر!!
قال الأحنف: فبكيت.
فقال معاوية: ما يبكيك؟
فقلت: (( لله در ابن أبي طالب لقد جاد من نفسه بما لم تسمع به أنت ولا غيرك )).
فقال معاوية: وكيف؟
صفحه ۳۷