فقالت: (( هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله )). ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إلى وأنا أبكي.
فقال (ع): (( مم بكاؤك يا أبا الدرداء؟ )).
فقلت: (( مما أراه تنزله بنفسك )).
فقال: (( يا أبا الدرداء فكيف لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار قد أسلمني الأحباء، ورفضني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية )).
قال أبو الدرداء: (( فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
شجاعته (ع)
(لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)
هتافات الملائكة ترددت في السماء تهتف باسم علي وتمدح شجاعته وفدائيته وذلك لأن شجاعته لم تكن من النوع الذي تطيح برؤوس المشركين في المعارك فحسب، بل كانت شجاعة وقوة اقتلعت أركان الباطل إينما وجد ومهما قوى وكثر، وأرست دعائم الحق بقوة وثبات أبتا التفاوض والعدول عن الحق مهما كلف ذلك من تضحيات، ولذلك نحن لا نستطيع أن نصف شجاعته الجهادية التي سطر بها تاريخ الإسلام ولن يتحدث التاريخ عن بطل مثلما تحدث عن بطولة وشجاعة علي عليه السلام.
ولا نستطيع أن نصف تلك الفضائل التي مزج بها شجاعته وخلط بعضها ببعض، فانصهرت كلها ومثلت شخصيته (ع) وغدت كل فضيلة فيه مدرسة قائمة بذاتها.
يقول العقاد: (( إن شجاعته من الشجاعات النادرة التي شرف بها من يصيب بها ومن يصاب، ويزيدها تشريفا أنها:
ازدانت بأجمل الصفات التي تزين شجاعة الشجعان، فلا يعرف الناس حلية للشجاعة أجمل من تلك الصفات التي طبع علي عليها بغير كلفة ولا مجاهدة رأي، وهي النزوع عن البغي، والمروءة مع الخصم قويا أو ضعيفا على السواء، وسلامة الصدر من الضغن، على العدو بعد الفراغ من القتال )).
صفحه ۳۵