وأجيب بأن القصد العام - عن وعي أو غير وعي - قد تغير عندي جملة مرات؛ ففي سني شبابي - حين كنت في أوروبا - كان أعظم ما يحفزني إلى الكفاح قصدان، هما: (1)
استقلال بلادنا من هوان السيطرة الإنجليزية. (2)
ثم تحرير المرأة من الحجاب ودعوتها إلى أن تكون لها شخصية مستقلة بالتعلم والعمل والإنتاج والكسب.
كانت هاتان الفكرتان تغمرانني في أوروبا. فلما عدت إلى مصر وجدت أن الوعي الديني أكبر وأعمق من الوعي القومي أو الوطني سواء بين المسلمين أم بين الأقباط. وأحسست عندئذ قصدا آخر هو ضرورة مكافحة الغيبيات بنشر نظرية التطور حتى تأخذ بينة العلم مكان عقيدة الإيمان. وعندئذ يجد الشباب وعيا جديدا هو الوعي للعلوم المادية الذي يساوي بين أبناء الأمة بل أبناء البشر، ويدعو إلى الوفاق بدلا من الشقاق.
وكنت وأنا في لندن قد درست الاشتراكية التي رسمت لي قصدا نبيلا عظيما ليس لمصر فقط بل للعالم كله. وقد كان من المحال أن نفرض نجاح هذه الدعوة التي كان الإنجليز المستعمرون والباشوات الإقطاعيون يتحدون في مقاومتها. ومع ذلك أنشأنا حزبا اشتراكيا في 1921 قتله سعد زغلول . مع أنه لو كان قد تركه لكان وسيلة إلى الدراسات الاقتصادية التي تنحاز في اتجاهها نحو الطبقات الفقيرة في بلادنا. ولكن سعد زغلول كان «باشا». وكان هذا التفكير أبعد ما يكون من ذهنه.
ثم وجدت لي قصدا علميا آخر هو تعميم الصناعة. وظني أني تعلقت بهذا القصد باعتبار الصناعة بديلا من الاشتراكية. أي بديلا يغري الأغنياء. ثم تكون هي - أي الصناعة بعد ذلك - وسيلة لتحقيق الاشتراكية.
ومع أني في كتابي «هؤلاء علموني» قد ذكرت نحو عشرين من الأدباء والعلماء والمفكرين الذين وجهوا نشاطي الذهني وربوا نفسي، فإني لم أذكر معهم كارل ماركس داعية الاشتراكية. والآن أحب أن أعترف أنه ليس في العالم من تأثرت به وتربيت عليه مثل كارل ماركس. وإنما كنت أتفادى من ذكر اسمه خشية الاتهام بالشيوعية.
والآن في 1957 أحس قصدا آخر إزاء الغيوم الذرية التي تخيم على العالم وتهدد البشر بالفناء. هو تعميم السلام ومكافحة دعاة الحرب. وهؤلاء الدعاة هم مائة في المائة استعماريون يهدفون إلى استعباد الشعوب الأفريقيا والأسيوية ونهب ثرواتهم ومنع الحضارة عنهم ولو بالمخاطرة بمستقبل البشر؛ إذ هم ليسوا بشرا، هم ذئاب.
وإني أعمل الآن في صحف «أخبار اليوم» وأؤلف الكتب بغية تحقيق هذه الأهداف.
سن السبعين
صفحه نامشخص