تربیت و تعلیم در اسلام
التربية والتعليم في الإسلام
ژانرها
ولعل أقدم الخزائن العربية التي عرفت بعض أخبارها هي خزانة الخليفة الأموي الحكيم خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (؟-85)، وكان من كبار علماء المسلمين وعقلائهم، اشتغل بالعلم واهتم بالكيمياء والطب والنجوم فأتقنها وألف فيها رسائل، ولما مات أبوه أجمع بنو أمية على توليه الخلافة، فأقام فيها ثلاثة أشهر ثم غلب عليه حبه كتبه وبحوثه فعزم على ترك الأمر وجمع الناس وخطبهم فقال: إن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به، ثم تقلده أبي، ولقد كان غير خليق به، ولا أحب أن ألقى الله تعالى بتبعاتكم، فشأنكم وأمركم. ثم خلع نفسه، ولزم بيته يطالع في كتبه ويدرس إلى أن توفاه الله. قال ابن النديم في الفهرست: كان خالد بن يزيد فاضلا في نفسه له همة ومحبة للعلوم، خطر بباله حب الصنعة - الكيمياء - فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان ممن كان ينزل مصر وقد تفصح بالعربية وأمرهم بنقل الكتب من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي؛ وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة. وقال الجاحظ: «خالد بن يزيد خطيب شاعر، وفصيح جامع، جيد الرأي، كثير الأدب، وهو أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء. وقد وقف هذا الخليفة نفسه على العلم وخدمته، وجمع الكتب وتأليف الرسائل.»
85
وقد ظلت خزانة خالد هذه محفوظة في البلاط الأموي، ولما ولي الخلافة الأموية عمر بن عبد العزيز فتحها للناس للإفادة منها والتعليم من نفائسها، وقد انقطعت أخبارها بعدئذ فلم نعثر لها على خبر بعد خلافة عمر بن عبد العزيز سوى ما يذكره القفطي العالم المؤرخ الأشهر المعروف بعلم الكتب والخزائن؛ فإنه ذكر في «تاريخ الحكماء» أثناء ترجمة الفلكي المعروف بابن السنبدي: «إن الوزير أبا القاسم أحمد علي بن أحمد الجرجاني تقدم في سنة 435 قبل وفاته باعتبار خزانة الكتب بالقاهرة وأن يعمل لها فهرست ويرم ما أخلق من جلودها، وأنفذ القاضي أبا عبد الله القضاعي وابن خلف الوراق ليتوليا ذلك وحضر القصر، وحضرت لأشاهد ما يتعلق بصناعتي، فرأيت من كتب النجوم والهندسة والفلسفة خاصة ستة آلاف وخمسمائة جزء، وكرة نحاس من عمل بطليموس وعليها مكتوب «حملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية» وتأملنا ما مضى من زمانها فكان ألفا ومائتين وخمسين سنة.»
86
وممن ذكر عنه الاعتناء بجمع الكتب من خلائف أمية الوليد بن عبد الملك (؟-96) الخليفة الفاتح المصلح المحب للبناء والعمران، وأول من أحدث المستشفيات ودور المجذومين في الإسلام؛ فقد رووا أنه كان محبا للقراءة وجمع الكتب، وأنه جمع خزانة وجعل عليها خازنا اسمه سعد، وكان يلقب بصاحب المصاحف، ولا يقصدون بذلك مصاحف القرآن فقط، وإنما يقصدون مصاحف العلم من أدب وشعر ودين. وقد اختار سعد هذا خالد بن أبي الهياح لكتابة المصاحف العربية والشعر والأخبار ونسخها، وكان حسن الخط، وحسن الكتابة والنسخ.
87
وممن ذكر عنه أيضا من خلائف بني أمية أنه كان يعتني بجمع دفاتر الكتب في الخزائن الوليد بن يزيد بن عبد الملك (؟-126)، وقد كان من فتيان قريش وأدبائهم وظرفائهم على الرغم من حبه للهو والمرح؛ فقد ذكروا أنه على الرغم من حبه للشراب وانهماكه بالمرح والسماع، كان محبا للعلم منقبا عن كتبه ودواوين الشعر، وأنه جمع خزانة كتب كبيرة في قصره على الرغم من قصر مدته؛ إذ إنه لم يبق في الخلافة إلا سنة وثلاثة أشهر. ويقول ابن سعد: حملت الدفاتر على الدواب من خزائنه.
88
هذا ما كان عليه الأمر في عهد بني أمية، فلما استخلف بنو العباس اهتموا كذلك بالعلم وكتبه، وكان أبو جعفر المنصور (95-158) مؤسس هذه الدولة من العلماء الأعلام في الفقه والأدب والحكمة، وهو أول من عني بالعلم والترجمة ، وأمر من حوله من أهل الفضل بترجمة الكتب القديمة والاهتمام بعلم الفلك، وفي زمنه عمل أول أسطرلاب عربي صنعه الفيلسوف المهندس المنجم محمد بن إبراهيم الفزاري،
89
صفحه نامشخص