تربیت و تعلیم در اسلام
التربية والتعليم في الإسلام
ژانرها
ويقول البارون كارا دي فو: «إن المسلمين يرون أن التشريع الإسلامي - أي الفقه ومباحثه - ذو علاقة قوية بالدين، بل هم يذهبون إلى أنه جزء منه وأن الفقه كله مأخوذ من الوحي - أي من القرآن - كسائر أجزاء الدين. ولما كان في القرآن شيء من الإيجاز فقد عمدوا إلى توضيحه بالآثار؛ أي بسنن النبي والصحابة والتابعين. هذه هي النظرية الإسلامية؛ وبناء عليها ذكر الفقه في الكتب الإسلامية على أنه وليد القرآن والآثار الإسلامية، من غير إشارة إلى أصول أجنبية قط.
وهذه النظرية لا تثبت عند النقد، وإذا قرأ إنسان بعض آيات الأحكام ثم قرأ صفحتين من إحدى مبسوطات الفقه، رأى الفرق الواضح بين الاثنين؛ فذلك نص ساذج عليه مسحة البداوة ، وهذا تحليل منطقي علمي دقيق على آثار الثقافة، ذاك شبه مسودة جافة بالية قائمة في الصحراء، وهذا بحث ممحص مصقول متسق مع التطور المدني. هاتان هما حالتا الإسلام اللتان ينبغي شرحهما، فمن أين جاءت قوانين القرآن، ومن أين جاءت قوانين الفقهاء؟! ولست أريد أن أنكر - بادئ الرأي - طرافة القرآن، ولكني لا أرى مساغا من الإشارة إلى أن تلك القوانين الفقهية متأثرة تأثرا عميقا بالتلمود والقوانين المسيحية، وقد تكون هناك بعض بقايا العادات العربية القديمة التي وجدت لها منفذا في بعض الأحوال.»
6
فأنت ترى من هذه الأحوال أن الفقه وما إليه ليس للعقلية العربية فيه من أثر إلا بعض بقايا العادات القديمة العربية، أما ما فيه من منطق وبحث وتشريع فهو إما مأخوذ من تلمود اليهود أو قوانين النصارى. وليس البارون كارا دي فو وغولد زيهر وحدهما اللذين يقولان هذا القول الظالم؛ فإن كثيرا من المستشرقين قد قالوا مثله، كالبروفسور ديمومين في كتابه عن النظم الإسلامية، والسنيور سانتلانا في مشروعه للقانون المدني التونسي الذي وضعه سنة 1899، والبروفسور فون كرامر في كتابه «المباحث الإسلامية»؛ فإنهم كلهم ذهبوا هذا المذهب ووصفوا العقلية العربية بالقحط والنضوب، لا قبل الإسلام فقط بل بعده كما ترى. وواضح من هذا أن روح التعصب قد أملت هذه الأقوال لأن صلات النبي
صلى الله عليه وسلم
والمشرعين الإسلاميين بعده باليهود والنصارى لم تكن صلات قوية بحيث يتدارسون هذه الأمور مع اليهود والنصارى، ويفيدون منهم الفوائد العقلية التي تجلى أمرها في القرآن والحديث من سنة وآثار. ثم إن اليهود في الجزيرة العربية ونصاراها كانو يهودا ونصارى مستعربين أو بداة يعيشون معيشة العرب ويفكرون مثل تفكيرهم، ولم يكونوا قط أرقى منهم في مستوى الفكر، ولا أفضل منهم درجة في العلم. ونحن إذا قرأنا الشعر اليهودي العربي الذي خلفه لنا يهود الجزيرة قبل الإسلام أو في صدر الإسلام، نرى أنه شقيق الشعر العربي في أفكاره وألفاظه ومعانيه؛ وفي هذا دليل على أن القوم من عرب ويهود - بل ونصارى - يعيشون على صعيد فكري واحد، وأن تمسك اليهود والنصارى بدينهم لم يكن تمسكا متينا، ولا كانت معرفتهم بالنصرانية واليهودية إلا معرفة ضحلة، وإلا ظهر ذلك في أقوالهم وأشعارهم.
وبعد فإن مذهب المستشرقين في تبيين العقلية العربية قبل الإسلام وبعده مذهب خاطئ مغرض، ولم يفكر واحد منهم - على كثرتهم - بدراسة أوضاع العرب قبل الإسلام والفحص عن حالتهم العقلية ومستواهم الفكري، وإنه لمن المعقول جدا أن يتأثر النبي وكبار الصحابة وفقهاء عصره والتابعين من بعده بالبيئات الأجنبية القريبة منهم؛ ولهذا نرى أن من واجب الباحثين أن ينصرفوا إلى دراسة عصر ما قبل الإسلام ليثبتوا حقيقة ما كان عليه القوم والدرجة العلمية والثقافية التي كانوا عليها.
إن أركان الدين المحمدي هي خمسة: التوحيد، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج.
فلنبحث عما كان عند القوم قبل ظهور الإسلام من هذه الأمور حتى نتبين الأثر الجديد الطريف الذي جاء به الرسول من التالد الذي أحياه مما كان عليه حنفاء العرب قبل الإسلام؛ فإن في الكشف عن ذلك تبين حقيقة عقلية القوم ومستواهم الفكرى والثقافي، وليس في هذا القول غض من قدر الإسلام ولا انتقاص من رسالة محمد - عليه السلام - فإن الله يقول:
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ،
صفحه نامشخص