تراجم مشاهير الشرق
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
ژانرها
ويظهر أن فيه تحريفا عن الأصل؛ إذ لا يعقل أن يبايعوه على ترك الدنيا والآخرة معا، وهم إنما يرغبون في دعوته طمعا في الآخرة، فكيف يبايعونه على تركها. والظاهر أن الأصل «ترك الدنيا والتماس الآخرة »، وأقام سلاتين من ذلك الحين ملازما لعبد الله التعايشي يقف عند بابه في جملة الملازمين. (3) السودان الشرقي
وفيما كان هيكس يتجشم الأخطار في قطع الصحاري والقفار ينتظر القدر المقدور، وكان عثمان دقنة ينشر دعوة محمد أحمد في السودان الشرقي، وقد اجتمع حوله أحزاب كبيرة. وقد حدثنا صديق فاضل رافق تلك الحوادث في السودان الشرقي، وعرف خفاياها قال: إن توفيق بك محافظ سواكن إذ ذاك تصرف مع العربان الذين يتولون خفارة الطريق بين سواكن وكسلا تصرفا أوجب نفورهم؛ وذلك أنه ولى عليهم شيخا اسمه محمد الأمين ليكون مسئولا عنهم لدى الحكومة على جاري العادة، وكانوا يكرهون هذا الرجل فالتمسوا من المحافظ أن يبدله بسواه فأبى إلا توليته، فغضبوا جميعا ونفروا من الحكومة، وهم كثار، واتفق مجيء عثمان دقنة بمنشور المهدي فانضموا إليه جميعا فاشتد أزره بهم، ثم انضم إليه غيرهم فسار لمناوأة الحكومة في سواكن وضواحيها فهاجموا سنكات في 5 أوغسطس سنة 1883 ولكنهم عادوا خاسرين، فساروا إلى طوكر وحاصروها، فأرسلت الحكومة محمود طاما باشا قائد حامية السودان الشرقي لإنقاذها، فباغته الدراويش بكل وسيلة، وحصلت مواقع كثيرة في تمانيب وترنكتات وغيرهما فلم تعد منهم بطائل، وما زالت سنكات وطوكر محاصرتين تطلبان المدد، فأعدت الحكومة في أوائل سنة 1884 حملة تحت قيادة باكر باشا، سارت إلى سواكن لفتح الطريق بين سواكن وبربر وطرد العصاة من البلاد الواقعة بينهما، فسارت ومعها نجدة من مصوع وكسلا فلاقاها العصاة في التب بغتة في 2 فبراير فحاربوها، ففشلت وعادت بخفي حنين. كل ذلك وحامية سنكات لا تزال محاصرة وفيها توفيق بك محافظ سواكن المتقدم ذكره، وكان رجلا باسلا شهما، أظهر في حصاره شجاعة لم تعهد إلا بالقليل من الناس، وقد جاء سنكات عرضا وانحصر فيها، وسنكات قرية صغيرة لا تزيد حاميتها على ستين رجلا، وقد ضيق عثمان دقنة السبل عليها وقطع المؤن عنها حتى كاد أهلها يهلكون جوعا، فكتب عثمان إلى توفيق أن يسلم فلا يقتله، فأبى إلا البقاء على ولاء الحكومة، فلما جاء باكر باشا وعاد خائبا، بعث عثمان إليه أن يسلم فيسلم، وأن الأمل بإنقاذه قد انقطع، فلم يجبه إلا بالثبات، ولما رأى توفيق بك أخيرا أن المؤن فقدت، والجند جاعت، وأهل البلد ملت، جمع إليه رجاله وأهل سنكات وشاورهم في الأمر، وحثهم على الثبات على ولاء الحكومة، فقالوا: نحن على ما تريد، فقال: إذ قد نفد زادنا والطريق مقطوع بيننا وبين المدد فلنخرج مستقتلين، فإما أن نسير إلى سواكن، وإما أن يلاقينا العصاة فندافع عن أنفسنا حتى الموت.
فخرجوا في أوائل فبراير سنة 1884 بعد أن هدموا الطوابي وأخربوا المنازل، وما ساروا ميلين حتى لا قاهم عثمان دقنة برجاله وهاجموهم، فقاتل توفيق بك حتى قتل شهيد الأمانة والبسالة ولم ينج من رجاله وأهل قريته إلا نفر قليلون.
وكان ذلك من جملة العوامل لتأييد دعوى المتمهدي ونشر سطوته وخوف الحكومة عاقبة أمره، وبدلا من مواصلة العمل في كبح جماح العصاة واسترجاع ما ملكوه من بلادها أقرت بمشورة الحكومة الإنكليزية على إخلاء ما بقي من السودان في قبضتها وسحب جنودها منها والتخلي عن السودان المصري كله للدراويش، وأصدرت بذلك أمرا بتاريخ 8 يناير سنة 1884 وأنفذت الحكومة الإنكليزية الجنرال غوردون باشا إلى السودان للنظر في أفضل الوسائل لسحب حامية السودان وسكانها من الإفرنج وغيرهم وتثبيت حكومة منتظمة على سواحل البحر الأحمر وغير ذلك، فسار غوردون باشا ومعه الكولونيل ستيوارت كاتم أسراره، فوصل القاهرة فأنبأه السير إفلن بارنغ (اليوم اللورد كرومر) أن الحكومة الإنكليزية قد فوضت إليه إخلاء السودان وإعادة حكم الأمراء الذين كانوا يحكمونها لما فتحها محمد علي باشا، ويقال لهم الملوك، أو أن يولي غيرهم كما يتراءى له.
فسار غوردون عن طريق كروسكو وأبي حمد، فوصل بربر في 9 فبراير سنة 1884، وفي 18 منه وصل الخرطوم فتلقاه أهلها بالإكرام، وكان السودانيون يحبونه ويكرمونه للين جانبه وكرم أخلاقه، ومن الغريب أن يسير غوردون بنفسه بلا جيش إلى بلاد اشتعلت بنار الثورة، ولكنه كان كثير الاتكال على الله، وقد صرح بذلك عند وصوله الخرطوم، فقال: «لم آت لإنقاذ السودان بجيش، ولكني اتكلت على الله، فلا أحارب إلا بسلاح العدل.»
شكل 10-6: غوردون باشا. (4) سقوط الخرطوم ومقتل غوردون
سافر غوردون من القاهرة في 26 يناير سنة 1884 ومعه مساعده الكولونيل ستيوارت قاصدين الخرطوم في عطمور أبي حمد، فبربر، فالخرطوم، ومعهم أوامر عالية تنحصر خلاصتها فيما يأتي: (1)
أن يسحب الموظفين المصريين وعائلاتهم وأموالهم من سائر أنحاء السودان إلى مصر. (2)
أن يقيم مقامهم موظفين من أهل السودان يدبر شئونهم بحكمته كأنه يؤسس دولة جديدة. (3)
أن يجمع كلمة القبائل المجاورة للخرطوم ويحركها على قبائل الهدندوة في السودان الشرقي فيفتح الطريقين بين بربر وسواكن وبربر وكسلا. (4)
صفحه نامشخص