تراجم مشاهير الشرق

جرجی زیدان d. 1331 AH
134

تراجم مشاهير الشرق

تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)

ژانرها

وأفاض في بسط الموضوع وتأييده فأفرد فصلا لتربية المرأة، وهو يعتقد أنها مساوية للرجل لا تختلف عنه إلا بما يستدعيه اختلافها في الصنف، وأن تعليمها العلوم الطبيعية والعقلية والأدبية يساعدها على القيام بواجباتها المنزلية وترقية نفوس أبنائها، وقسم الكلام في التربية إلى التربية بالنسبة إلى الوظيفة الاجتماعية وبالنسبة إلى الوظيفة العائلية، ثم تكلم في الحجاب، وكان قد ألف كتابا بالفرنساوية قبل «تحرير المرأة» رد به على كتاب الدوك داركور الذي طعن فيه على المصريين، وقبح أخلاقهم وعاداتهم، واختصر قاسم في دفاعه عن الحجاب هناك فأفاض هنا في حقيقة الحجاب من الوجهة الدينية ومن الوجهة الاجتماعية، واستأنف الكلام في «المرأة والأمة» وبين ارتباطهما في فصل طويل.

وختم كلامه بفصل في «العائلة» وتوسع في الكلام على الزواج وشروطه، وبين أن الشريعة الإسلامية تأمر بحسن المعاملة، وتنهى عن تعدد الزوجات وتقبح الطلاق؛ مسندا أقواله إلى القرآن والحديث والقواعد الاجتماعية والأحكام العقلية، وفي كل فقرة دليل على صراحة فكره وصدق لهجته وتفانيه في خدمة أمته، ومع ذلك فلم يكد يظهر كتابه وتتناقله الأيدي حتى تصدى لتخطئة أقوام جاهروا بالسخط على صاحبه بين منتقد وهازئ، إما تمسكا بالقديم أو مجاراة لإحساس العامة لارتباط ذلك بمصالحهم وطرق معائشهم. وفيهم من فعل ذلك عن اعتقاد خالص، ولكن بعضهم تجاوز حد الانتقاد إلى الاستهزاء والقول الهراء، فاتهمه بعضهم بالمروق من الدين، وآخرون بالخروج عن الآداب، وزعم غيرهم أنه يرمي إلى قلب الهيئة الاجتماعية المصرية وممالأة الإنكليز على ضياع البلاد.

أما هو فأغضى عن ذلك كله ورجع إلى الموضوع فزاده بسطا بكتاب آخر سماه «المرأة الجديدة» تكلم فيه عن «المرأة في حكم التاريخ» من أقدم أزمنته إلى الآن في الأمم القديمة والحديثة تأييدا لرأيه في وجوب تحريرها ورفع شأنها، وفي «الواجب على المرأة لنفسها» وفصول في «الواجب على المرأة لعائلتها» و«التربية والحجاب».

ولم يكتف بطلب تحرير المرأة، لكنه وضع لحريتها حدودا، وبين ما يجب عليها وما يحق لها، ووضع للطلاق نظاما جعله نموذجا تنسج الحكومة على منواله إذا شاءت تحرير المرأة، وأعطاها حقها الشرعي والمدني، فقيد إرادة الرجل في الطلاق بحكم القاضي أو المأذون بعد أن يرشد الزوج إلى ما جاء في الكتاب والسنة من كره الطلاق عند الله وينصحه ويبين له تبعة عمله، وإذا أبى الإصغاء وسط حكما من أهله وحكما من أهلها للإصلاح بينهما، فإذا لم يفلح في ذلك كله أذن بالطلاق، ولا يخفى ما في ذلك من تدارك الأضرار التي تصيب العائلات بتسرع البعض في تنفيذ طلب الطلاق، وقد يكون طلبه عن غضب مؤقت فإذا ثاب إليه رشده ندم على ما فرط منه.

ظهرت كتابات قاسم في هذا الشأن من تسع سنوات، فشغلت الألسنة والأقلام عاما أو عامين تنبهت فيهما العقول وثارت الخواطر، وقام الناس وقعدوا، وقد لاقى من العقلاء إعجابا كثيرا فنصره بعضهم بألسنتهم وأقلامهم، وسكت الآخرون مجاراة للعامة ونصرائهم، وأكثر مجاهرة في نصرته وأخذا بيده زميلنا إبراهيم بك رمزي فإنه أنشأ يومئذ مجلة سماها «المرأة في الإسلام» جعلها وقفا على هذا المشروع، ظهرت سنة ثم احتجبت، ثم سكت الناس لا عن إهمال أو إغفال، ولكنها فترة الحضانة ريثما تتكيف عقول الأمة لقبول تلك الآراء، كالتلقيح بالجواهر النافعة فإنه يحدث عند دخوله البدن تهييجا، وقد يولد صديدا ثم يسكن في الظاهر ويعمل عمله رويدا رويدا. وقد أخذت نتائج ذلك السعي تظهر برغبة الناس في تعليم بناتهم وإنشاء المدارس لهذه الغاية. وهذا من أدلة تسرب فكر قاسم بالتدريج.

ستتوالى الأجيال وتمر السنون قبل أن تتحرر المرأة المسلمة، لكنها ستتحرر وترتقي وتتولى الأعمال الهامة، وترفع شأن العائلة كما كانت سالفاتها في جزيرة العرب منذ آلاف السنين، فإذا بلغت إلى ذلك الرقي تذكر أنه كان صاحب الفضل عليها، ويعظم ذكره فيبقى اسمه منقوشا بحروف من نور على تاريخ الاجتماع الشرقي في التمدن الحديث. (5) أعماله في غير تحرير المرأة

قد تمر القرون والناس على ما ساقتهم إليه الفطرة في طلب المعاش لا يفقهون معنى الحياة ولا الاجتماع حتى تتمخض الطبيعة فتلد من أبنائها أفرادا ينهضون بالأمة إلى ما يظنون فيه خيرها، هؤلاء هم أقطاب العالم ودعائم الهيئة الاجتماعية، فمنهم من يرى ثمرة سعيه وينال الفخر بحياته، ومنهم من يراها خلفاؤه ويطوبونه بعد موته.

وصاحب الترجمة واحد من هؤلاء؛ لم يجن ثمر سعيه، ولكن معاصريه عرفوا فضله واعترفوا بما طبع عليه من سعة العقل وسداد الرأي، والرغبة في خدمة الأمة، فعهدوا إليه، بأعز المشروعات لديهم؛ نعني إنشاء «الجامعة»، فولوه رئاسة اللجنة، فلم يذخر وسعا في سبيلها إلى آخر ساعة في حياته.

ذكرنا للفقيد فضله في نصرة المرأة، لأنه أظهر أعماله الاجتماعية، ولكنه كان راغبا في سائر سبل الإصلاح، يطلبها من أبوابها القانونية مع تطبيقها على القواعد الاجتماعية الصحيحة، لا يغريه إطراء ولا يخيفه صياح، ولا يستغرب نقمة الناس وتخوفهم من كل جديد، وكان يشير إلى ذلك في أثناء أقواله ويحتاط له ويدفعه، وله في الإصلاح على إجماله مقالات كان ينشرها في المؤيد، عنوانها: «أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ» لم يذكر فيها اسمه، وكان لها وقع حسن.

وله أقوال مأثورة وجمل يتناقلها الناس عنه ويتخذونها قاعدة أو مثلا، نشرتها إدارة الجريدة في كتاب سمته: «كلمات لقاسم بك أمين» هو عبارة عن مختارات أفكاره أو مذكراته، وفيه حكم فلسفية اجتماعية، وشذرات علمية يجدر بالأدباء الاطلاع عليها والتمثل بها، وهذه أمثلة منها:

صفحه نامشخص