تراجم مشاهير الشرق

جرجی زیدان d. 1331 AH
126

تراجم مشاهير الشرق

تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)

ژانرها

إن الفقيد أحيا الشعور الوطني بحماسته وجرأته، وجاءه الموت السريع في إبان جهاده فذهب شهيدا، وعرف المصريون له ذلك فاتحدوا في البكاء عليه وتعاونوا في تعظيمه وتكريمه، فظهر الشعور الوطني بعد موته أكثر مما كان ظاهرا في حياته. فنتقدم إلى الساعين في مصلحة الأمة من مريديه وغيرهم أن يؤيدوا هذا الشعور بتعميم التعليم العالي ليكون اجتماع الأمة عن تعقل وروية، وذلك أدعى إلى الغرض المراد والسلام.

الفصل التاسع والثلاثون

سليم صيدناوي

المراد عندنا من نشر تراجم العظماء إما تدوين أعمالهم ليبقى ذكرهم إقرارا بفضلهم وإعجابا بمواهبهم، أو نشر تلك الأعمال للاعتبار بسير أصحابها قدوة لسواهم، أو للسببين جميعا، فترجمة بونابرت والإسكندر ومعاوية وبسمارك وغلادستون يراد بها تخليد أعمال أولئك العظماء والإعجاب بما أتوه من الأعمال العظمى، وترجمة كولمبوس مكتشف أميركا، وباستور مكتشف المكروب، وغونمبرج مخترع الطباعة وغيرهم من أصحاب الفضل على المجتمع الإنساني يراد بها على الغالب تدوين أفضالهم على صفحات التاريخ، وأما تراجم دزرائيلي وبالسي وسليني وروتشيلد وغيرهم من رجال النشاط والاجتهاد الذين ولدوا فقراء واكتسبوا الثروة أو العلم أو الصناعة بجدهم ونشاطهم فيراد بها - فضلا عن تخليد ذكرهم - الاقتداء بأعمالهم، وكلما اقتربت سير هؤلاء من حاجات القراء زادت الفائدة من نشر تراجمهم، فترجمة رجال السياسة أو الإدارة أو الحرب لا تفيدنا شيئا فيما نرجوه من التقدم في أعمالنا. وأما رجال العلم أو التجارة أو الصناعة إذا كانوا قد نالوا ما نالوه من الثروة أو الجاه بجدهم وأمانتهم فترجمة حالهم فيها قدوة حسنة للشبيبة من أبناء هذا الجيل، ودرهم قدوة خير من قنطار تعليم.

شكل 39-1: سليم صيدناوي صاحب أكبر محل تجاري في مصر (ولد سنة 1856 وتوفي سنة 1908).

وقد جرت العادة أن يقتصر أرباب الأقلام عندنا على ترجمة العلماء أو القواد أو رجال السياسة، ونحن أشد احتياجا إلى ترجمة التجار العصاميين الذين أثروا بالطرق القانونية الموافقة لشروط النجاح؛ لأن التجارة أهم مصادر الارتزاق في بلادنا، ومن الأوهام الشائعة «أن الثروة لا تنال بطريق الحلال، وأن الإنسان الأمين المستقيم يعيش فقيرا ويموت معوزا وإنما يثرى الكاذبون أهل الحيل والنفاق.» ولهم في ذلك أقوال وأشعار وأمثال، وهو عذر الذين يفشلون في سعيهم مع رغبتهم في العمل وسهرهم واستقامتهم، فينسبون فشلهم على صدقهم وسلامة نيتهم، وهم إنما فشلوا لافتقارهم إلى بعض معدات النجاح كالذكاء أو المعرفة أو الثبات أو نحو ذلك؛ لأن الاستقامة وحدها لا تكفي، ولو رافقها السعي والسهر، وإليك أهم ما يحتاج إليه الإنسان من شروط النجاح على العموم:

شروط النجاح (1)

المعرفة: أول ما يحتاج إليه طالب النجاح في هذه الحياة أن يكون متقنا لعمل من الأعمال الصناعية أو التجارية أو الزراعية أو القلمية، كأن يكون نجارا ماهرا أو تاجرا محنكا في أصناف التجارة، أو عارفا الحساب التجاري، أو مزارعا يعرف أصول الزراعة علما وعملا، أو عالما بفن من الفنون القلمية، أو متقنا مهنة من المهن العلمية كالطب أو المحاماة أو الترجمة أو الإنشاء أو نحو ذلك، ويكفي أن يعرف مهنة واحدة معرفة جيدة لا أن يعرف غير واحدة معرفة ناقصة؛ فإن المكثر لا يتقن، والنجاح يحتاج إلى إتقان. (2)

حسن الاختيار: وهو أن يحسن الإنسان اختيار المهنة الملائمة لمواهبه ويضعها في المكان الموافقة له، فلا يتعاطى الصناعة وهو مفطور على التجارة، ولا يشتغل بالعلم إذا لم تتوفر فيه المواد اللازمة له، ولا يتعاطى عملا حيث لا يرجى له رواج، كأن يتجر بالأقمشة السميكة في البلاد الحارة، أو ينشئ معملا لمصنوعات لا تروج في تلك البلاد، أو أنها تكلف أكثر مما تكلفه إذا حملت إليها من الخارج، أو نحو ذلك مما لا يمكن حصره وإنما يتكفل بتمييزه الذوق السليم. (3)

الثبات: كثيرا ما يفشل العامل ولو توفرت فيه المعرفة اللازمة وحسن الاختيار، ويغلب أن يكون سبب فشله استعجاله في استثمار عمله، فإذا لم يذق ثمر سعيه عاجلا عدل عنه وشكا سوء حظه أو نقم على الزمان لأنه لا يساعد غير الجهال، وقد يأتي بالشواهد القريبة عن أناس أفلحوا وهم أقل منه معرفة، وقد فاته أنهم إنما أفلحوا بالثبات أو بغيره من الأسباب التي لم تتوفر فيه وهي لازمة للنجاح. (4)

صفحه نامشخص