مقدمة الطرف
هذا كتاب «طرف من الأنباء والمناقب، في شرف سيد الأنبياء والأطائب، وطرف من تصريحه بالوصية والخلافة لعلي بن أبي طالب» تأليف بعض من أحسن الله إليه، وعرفه ما الأحوال عليه (1).
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين (2)، الذي أوضح للعباد سبل (3) الرشاد، ولم يجعل لأحد عليه حجة في الدنيا ولا في المعاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة موجبة للنجاة (4)، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي رفع أعلام الهداية أيام الحياة، وكرر نشر ألويتها عند الوفاة، وأبان
صفحه ۱۰۹
عن الصراط المستقيم، و(1) النبأ العظيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم (2)، (صلى الله عليه وآله) (3) صلاة (4) ترضيه، وتنجح شريف مساعيه، وترجح الآمال (5) الحسنة فيه.
وبعد، فإنني أسمع عن (6) قوم تجاهلوا أو جهلوا (7) المعرفة لله ولكمال ذاته، وجلال صفاته، وما يقتضيه عميم مكارمه ورحماته، من هداية عباده إلى مراده، وإقامة نائب له (8) في عباده وبلاده (9)، وجوزوا على أنبيائه ورسله وخاصته أن يتركوا الخلق (10) بغير دلالة واضحة على طاعته.
وشهدوا باللسان أن محمدا (صلى الله عليه وآله) أفضل من سائر الإنس والملائكة وغيرهم (11)، فيما مضى وفيما يأتي (12) من الأزمان، ثم ذكروا عنه مع هذا الوصف الشريف (13) أنه
صفحه ۱۱۰
ترك أمته في ضلال الإهمال (1)، وحيرة الإغفال، ووكلهم إلى اختياراتهم المتفرقة وآرائهم المتمرقة (2).
وقد كثر تعجبي ممن شهد له بذلك (3) الوصف الكامل، ثم نسبه إلى هذه النقائص (4) والرذائل، مع شهادتهم أنه عرف أن أمته تبلغ من التفريق، إلى ثلاث وسبعين فرقة على التحقيق.
وأرى أن كل من ادعى على نبي (5) أنه مات عن (6) غير وصية كاملة، فقد بلغ من ذمه غاية نازلة، وتعرض من الله لمؤاخذة هائلة، وكابر المعقول والمنقول، وقبح (7) ذكر الله والرسول.
فلا تقبل عقول العارفين، بآله العالمين (8)، ونوابه (9) السالكين سبيله في الهداية والتبيين، أن محمدا الذي هو أفضل النبيين وخاتم المرسلين، انتقل إلى الله قبل أن يوصي ويوضح الأمور للمسلمين، ويدلهم على الهداة (10) من بعده إلى يوم الدين.
صفحه ۱۱۱
وقد أثبت (1) في (2) هذا المعنى الشريف، أخبارا يسيرة على الوجه اللطيف، ليستدل بجملتها (3) على التفصيل، ويعلم أن محمدا (صلى الله عليه وآله) ما أهمل الوصية في الكثير ولا القليل (4).
ولم أذكر ما اعترف به علماء الإسلام، من الأخبار المتفق عليها بين الأنام، كخبر «إني (5) مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (6)».
وكخبر تعيينه لأهل بيته، المشار إليهم في تفسير (7) آية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (8).
صفحه ۱۱۲
وكخبر أن عليا (عليه السلام) منه (1) بمنزلة هارون من موسى (2).
وكخبر أن الحق مع علي (عليه السلام) يدور حيثما دار (3).
صفحه ۱۱۳
وكخبر يوم الغدير (1)، وكل ما اتفق على نقله (2) المخالف والمؤالف في المعنى (3)، وهو شيء كثير (4).
وقد رأيت كتابا يسمى كتاب «الطرائف في مذاهب الطوائف» (5)، فيه شفاء لما في الصدور، وتحقيق تلك الأمور، فلينظر ما هناك من الأخبار والاعتبار، فإنه واضح لذوي البصائر والأبصار، وإنما نقلت هاهنا ما لم أره في ذلك الكتاب، من الأخبار المحققة (6) أيضا في هذا الباب، وهي ثلاث (7) وثلاثون طرفة:
صفحه ۱۱۴
الطرفة الأولى في ابتداء تصريح النبي (صلى الله عليه وآله) بالنص على علي (عليه السلام) لما أسلمت خديجة رضي الله عنها.
عن عيسى بن المستفاد، قال: حدثني موسى بن جعفر، قال (1): سألت أبي؛ جعفر بن محمد (عليه السلام) عن بدء (2) الإسلام، كيف أسلم علي (عليه السلام)؟، وكيف أسلمت خديجة رضي الله عنها؟
فقال لي موسى بن جعفر: تأبى إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أم والله إنك لتسأل (3) تفقها.
قال موسى: فقال (4) لي أبي: إنهما لما أسلما دعاهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (5): يا علي ويا خديجة، أسلمتما لله وسلمتما له (6)، وقال: إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام، فأسلما تسلما (7)، وأطيعا تهديا (8).
صفحه ۱۱۵
فقالا: فعلنا وأطعنا يا رسول الله.
فقال: إن جبرئيل عندي يقول لكما (1): إن للإسلام شروطا وعهودا (2) ومواثيق، فابتدئاه (3) بما شرطه (4) الله عليكما لنفسه ولرسوله؛ أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولم يلده والد، ولم يلد ولدا (5)، ولم يتخذ صاحبة، الها واحدا مخلصا، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة، ونشهد (6) أن الله يحيي ويميت، ويرفع ويضع، ويغني ويفقر، ويفعل ما يشاء، ويبعث من في القبور.
قالا: شهدنا.
قال: وإسباغ الوضوء على المكاره، واليدين والوجه والذراعين، ومسح الرأس، ومسح الرجلين إلى الكعبين، وغسل الجنابة في الحر والبرد، وإقام الصلاة، وأخذ الزكاة من حلها ووضعها في أهلها (7)، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والجهاد في سبيل الله، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية (8).
والوقوف عند الشبهة إلى الإمام؛ فإنه لا شبهة عنده، وطاعة ولي الأمر بعدي، ومعرفته في حياتي (9) وبعد موتي، والأئمة من بعده واحدا فواحدا (10).
صفحه ۱۱۶
وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله، والبراءة من الشيطان الرجيم وحزبه وأشياعه، والبراءة من الأحزاب؛ تيم وعدي وأمية وأشياعهم وأتباعهم.
والحياة على ديني وسنتي (1)، ودين وصيي وسنته إلى يوم (2) القيامة، والموت على مثل ذلك، غير شاقة لأمره (3)، ولا متقدمة (4) ولا متأخرة (5) عنه، وترك شرب الخمر وملاحاة الناس، يا خديجة، فهمت ما شرط عليك ربك؟
قالت: نعم، وآمنت وصدقت ورضيت وسلمت.
قال علي (عليه السلام) وأنا على ذلك.
فقال: يا علي، تبايع (6) على ما شرطت عليك؟
قال: نعم.
قال (7): فبسط رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفه، فوضع كف علي في كفه، فقال: بايعني يا علي (8) على ما شرطت عليك، وأن تمنعني مما (9) تمنع منه نفسك.
فبكى علي (عليه السلام) وقال (10): بأبي وأمي، لا حول ولا قوة إلا بالله.
صفحه ۱۱۷
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اهتديت (1) ورب الكعبة، ورشدت ووفقت وأرشدك الله، يا خديجة، ضعي يدك فوق يد علي (عليه السلام)، فبايعي له- فبايعت- على مثل ما بايع عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أنه لا جهاد عليك.
ثم قال: يا خديجة، هذا علي مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي.
قالت: صدقت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد بايعته على ما قلت، أشهد الله وأشهدك بذلك (2)، وكفى بالله شهيدا و(3) عليما.
صفحه ۱۱۸
الطرفة الثانية في تعيين محمد سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، على علي (عليه السلام) أمير المؤمنين (عليه السلام) (1)، بالخلافة قبل الهجرة
، حيث أسلم نفر قليل من المسلمين، ونزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو (2)، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال (3): لما نزلت (4) وأنذر عشيرتك الأقربين (5) أي رهطك المخلصين، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصون (6) رجلا، فقال: أيكم يكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي (7) وخليفتي فيكم بعدي؟
فعرض (8) ذلك عليهم رجلا رجلا، كلهم يأبى (9) ذلك، حتى أتى علي، فقلت: أنا يا رسول الله.
صفحه ۱۱۹
فقال (صلى الله عليه وآله): يا بني عبد المطلب، هذا أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي.
فقام (1) القوم يضحك بعضهم الى بعض، و(2) يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لهذا (3) الغلام.
صفحه ۱۲۰
الطرفة الثالثة في أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله) البيعة لعلي على حمزة وفاطمة البتول (1) حيث هاجر إلى المدينة، ونصه (2) عليه بالخلافة والمنزلة المكينة
وعنه، عن أبيه، قال: لما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى (3) المدينة [و] (4) اجتمع الناس، وسكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة (5)، وحضر خروجه إلى بدر، دعا الناس إلى البيعة، فبايع كلهم على السمع والطاعة، و(6) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خلا دعا عليا (عليه السلام) (7) فأخبره من يفي منهم ومن (8) لا يفي، ويسأله كتمان ذلك.
ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) وحمزة رضي الله عنه وفاطمة (عليها السلام)، فقال لهم (9): بايعوني ببيعة (10) الرضا.
صفحه ۱۲۱
فقال حمزة: بأبي أنت وأمي على ما نبايع؟ أليس قد بايعنا؟
قال: يا أسد الله وأسد رسوله تبايع لله ولرسوله (1) بالوفاء والاستقامة لابن أخيك، إذن تستكمل الإيمان.
قال: نعم، سمعا وطاعة، وبسط يده.
ثم قال لهم (2): يد الله فوق أيديهم (3)، علي (عليه السلام) أمير المؤمنين، وحمزة سيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة، وفاطمة سيدة نساء العالمين، والسبطان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، هذا شرط من الله على جميع المسلمين، من الجن والإنس أجمعين فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (4)، ثم قرأ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم (5).
صفحه ۱۲۲
الطرفة الرابعة في مبايعة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) عقيب مبايعة عمه وابنته، وتعيينه لرجل رجل من صحابته، أنه الخليفة على أمته
وعنه، عن أبيه، قال: ثم خرج (1) رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الناس، فدعاهم إلى مثل (2) ما دعا أهل بيته من البيعة رجلا رجلا، فبايعوا، وظهرت الشحناء والعداوة من يومئذ لنا.
وكان مما (3) شرط عليه (4) رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا ينازع الأمر ولا يغلبه، فمن فعل ذلك فقد شاق الله ورسوله.
صفحه ۱۲۳
الطرفة الخامسة في تجديد بيعة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) في الليلة التي استشهد حمزة في صبيحتها
، وتعريف حمزة رضي الله عنه ما يجب عليه (1) من اعتقاد إمامته وإمامة ذريته وصحتها وعنه، عن أبيه، عن جده، قال: لما كانت الليلة التي أصيب حمزة في يومها، دعاه (2) رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا حمزة، يا عم رسول الله، يوشك أن تغيب غيبة بعيدة، فما تقول لو وردت على الله (3) تبارك وتعالى، وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان؟
فبكى حمزة، وقال: بأبي أنت وأمي (4)، أرشدني وفهمني.
فقال: يا حمزة، تشهد أن لا إله إلا الله مخلصا، وأني رسول الله بعثني (5) بالحق.
فقال (6) حمزة: شهدت.
صفحه ۱۲۵
[قال] (1): وأن الجنة حق، وأن النار (2) حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها (3).
والصراط حق، والميزان حق، و فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (4)
و فريق في الجنة وفريق في السعير (5)، وأن عليا أمير المؤمنين.
قال حمزة: شهدت وأقررت وآمنت وصدقت.
وقال (6): الأئمة من ذريته الحسن والحسين (عليهما السلام) وفي ذريته (7).
قال حمزة: آمنت وصدقت.
وقال: و(8) فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (9).
قال: نعم، صدقت.
و(10) قال: وحمزة سيد الشهداء، وأسد الله وأسد رسوله، وعم نبيه.
فبكى (حمزة وقال: نعم، صدقت وبررت يا رسول الله، وبكى حمزة) (11) حتى سقط على وجهه، وجعل يقبل عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله).
صفحه ۱۲۶
وقال: جعفر (1) ابن أخيك طيار يطير في الجنة (2) مع الملائكة، وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) وآله (3) خير البرية، تؤمن يا حمزة بسرهم وعلانيتهم، وظاهرهم وباطنهم، وتحيى على ذلك وتموت، توالي من والاهم، وتعادي من عاداهم.
قال: نعم يا رسول الله، أشهد الله وأشهدك وكفى بالله شهيدا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سددك الله ووفقك.
صفحه ۱۲۷
الطرفة السادسة في تأكيد البيان من النبي (صلى الله عليه وآله) مع أبي ذر وسلمان والمقداد
(1)، وتعريفهم ما كلفه سلطان المعاد، وأن عليا (عليه السلام) خليفة (2) في العباد والبلاد (3) وعنه، عن أبيه، قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا ذر وسلمان والمقداد، فقال لهم: تعرفون شرائع الإسلام وشروطه؟
قالوا: نعرف ما عرفنا الله ورسوله.
فقال (4): هي والله أكثر من أن تحصى، أشهدوني (5) على أنفسكم وكفى بالله شهيدا وملائكته عليكم بشهادة (6) أن لا إله إلا الله مخلصا، لا شريك له في سلطانه، ولا نظير له في ملكه، وأني رسول الله بعثني بالحق، وأن القرآن إمام من الله وحكم (7) عدل، وأن القبلة (8)- قبلتي- شطر المسجد الحرام لكم قبلة.
صفحه ۱۲۹
وأن علي (1) بن أبي طالب (عليه السلام) وصيي (2) وأمير المؤمنين، وولي المؤمنين (3) ومولاهم، وأن حقه من الله مفروض (4) واجب، وطاعته طاعة الله ورسوله، والأئمة من ولده، وأن مودة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن ومؤمنة (5)، مع إقامة الصلاة لوقتها، وإخراج الزكاة من حلها، ووضعها في أهلها.
وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس، حتى يدفعه (6) إلى ولي (7) المؤمنين وأميرهم، ومن بعده (8) من الأئمة من (9) ولده، فمن عجز ولم يقدر (10) إلا على اليسير من المال، فليدفع ذلك إلى الضعيفين من أهل بيتي من ولد الأئمة ، فإن لم يقدر فلشيعتهم (11) ممن لا يأكل بهم الناس، ولا يريد بهم إلا الله وما وجب عليهم من حقي.
والعدل في الرعية، والقسم (12) بالسوية، والقول بالحق، وأن الحكم بالكتاب (13) على ما عمل عليه أمير المؤمنين، والفرائض على كتاب الله وأحكامه، واطعام (14) الطعام على حبه،
صفحه ۱۳۰