وجب فعل في وقت لا بد أن يحرم تركه اقتضاءً فيحرم ضده لما فيه من ترك المأمور به الواجب، فكان لمعنى في غيره فلا يوجب الفساد بخلاف النهي.
فأما الجواب عن القول الأول: ما ذكرنا ان الكراهة تثبت بمقتضى النص لا بالنص، والمقتضى أبدًا إنما يثبت حيث لا نص ما له حد غير هذا، وليس هذا كالمعلق بالشرط فإن تعليق الحكم بالشرط لإيجاد الحكم ابتداء عند الشرط، ولما كان ابتداء الوجود عنده لم يقتض هذا نفيًا قبله لأن النفي لا يتصور ابتداء الوجود عند الشرط أن يكون عدمًا قبل الشرط، ولما لم يكن موجودًا من الأصل لا يتعلق عدمه بمعدم فلذلك قلنا غنه يقتضي عدمًا من حيث عدم دليل الوجود، لا عدمًا بدليل نافٍ.
وأما الإيجاب فيقتضي حرمة ترك الواجب ضرورة، وكان حلالًا قبل الإيجاب فلذلك أضفنا ثبوتها إلى الأمر.
ثم قول أبي بكر أن الأمر المطلق على الفور لأنه نهي عن ضده دعوى، والرواية في الأصول في الأمر المطلق بخلاف ما قاله أبو بكر الجصاص على ما نذكره.
وكذلك النهي فإن النهي إنما يكون على الفور إذا كان مما يستغرق انتهاء العمر، فأما ما لا يستغرق انتهاء العمر فلا، فإنا نهينا عن ترك فرض الصلاة وقت الظهر ويباح الترك لأول الوقت لأن فعل الصلاة مما لا يعم ولا يستغرق الوقت فالانتهاء عن النهي بفعل الصلاة مما لا يستغرق الوقت فلا يجب البدار إلى الانتهاء على الفور، والذي يدل عليه أنا متى جعلناه نهيًا عن ضده نصًا أو دلالة فقد جعلنا ضده حرامًا لمعنى يرجع إليه كما في مطلق النهي، وإنه ما حرم إلا لمعنى في غيره وهو من حيث المأمور به وبينهما فرق على ما مر، والله أعلم.
القول في النهي ماذا حكمه؟
قال العبد- ﵀: إني لم أقف على الأقوال في حكمه على الاستقصاء من السلف، كما وقفت على حكم الأمر. ولكنه ضد المر لغة فيحتمل أن يكون للناس فيه أقوال أربعة على حسب أقوالهم في الأمر.
فمن وقف في الأمر فليجب مثله في النهي.
ومن قال بالندب في الأمر فكذا يجب في النهي أن يقول بندب على ضده.
ومن قال بالإباحة فيه قال بإباحة الانتهاء هنا.
ومن قال بالوجوب، ثم قال بوجوب الانتهاء هنا وعليه جمهور العلماء.
ويحتمل ان لا يكون على الاختلاف لأن القول به يؤدي إلى أن يصير موجب الأمر
1 / 49