السبق إلى شيء يلزم كونه منتقلا متحركا من مكان إلى مكان، أو من حال إلى حال، ولما كان الذهن ينتقل من حال الغفلة إلى حال الالتفات بالمعنى، ويتحرك إليه عند إطلاق اللفظ، فإضافة السبق إليه حقيقة، فيكون استعمال السبق حينئذ حقيقة كلمة وإسنادا، إلا أنه يلزم مخالفة ظاهر آخر، وهي حمل القضية على السالبة بانتفاء الموضوع، لأن السبق يلزمه سابق ومسبوق عليه، والثاني هنا منتف، لأن اللفظ إنما يتوجه إلى واحد، فإذا كان ذهنه سابقا، فعدم سبق ذهن غيره من باب عدم ذهن آخر بالنسبة إلى اللفظ في هذا الإطلاق.
واما التعريف الذي أضيف السبق فيه إلى المعنى، فهو، وإن لم يلزم منه حمل القضية على السالبة بانتفاء الموضوع لتعدد المعاني المتصورة مما بين الأرض والسماء، لأن معناه حينئذ سبق أحد المعاني المتصورة القابلة لإرادتها من اللفظ على غيره، ولا ريب أن المعاني لا منتهى لها إلا أنه يلزمه المجاز في الإسناد، لما مر من أنه لا بد في السبق من حركة، وانتقال، ولا ريب أن المعاني لا انتقال فيها بوجه.
وكيف كان فيكون التعريف الأول حقيقة من حيث الكلمة، ومجازا من حيث الإسناد.
وأما على الاحتمال الثاني، فيلزم المجاز في الكلمة على التعريفين إلا أن التعريف الثاني أولى بنسبة الانتقال إليه، لما مر، ولا يلزم على هذا الاحتمال أيضا حمل القضية على السالبة بانتفاء الموضوع، إذ لا يستلزم الانتقال ثبوت ذهن آخر لا ينتقل، هذا بخلاف نسبته إلى المعنى، كما في التعريف الأول، فإنه يلزم حينئذ المجاز من حيث الإسناد أيضا.
فإذا عرفت ذلك فاعلم: ان التبادر كما يكون علامة للوضع كذلك يكون علامة للمجاز أيضا، كما إذا ثبت لغير المعنى المبحوث عن مجازيته مثلا.
ثم إن المعتبر في كون التبادر بالمعنى المذكور علامة للوضع هل هو ثبوته نفسه للمعنى المبحوث عن حقيقته أو عدم ثبوته لغير ذلك المعنى؟ وأيضا المعتبر في كونه علامة للمجازية هل هو ثبوته لغير المعنى المبحوث عن مجازيته، أو عدم ثبوته لذلك المعنى المبحوث عن مجازيته؟ فالاحتمالات المتصورة هنا ثلاثة:
الأول: أن يكون المعتبر في كونه علامة للوضع ثبوته للمعنى المبحوث عنه، وفي
صفحه ۷۱