منذ ذلك الحين أخذ الشيطان يصوب غضبه العاجز ضد مطوقة الطوباوي.
كان الأب يوسف في الكنيسة، يضرع إلى الله مختطف الروح، وكانت المطوقة تصفق بجناحيها، طائرة بين أعمدة الأروقة ، عندما قدم رجل مسلح وطلب الأب يوسف بإلحاح شديد، أما المبتدئون فقالوا له إنه في الكنيسة، عندئذ حاول الرجل الغريب أن يسيء إلى المطوقة، فهربت مسرعة إلى عذراء الدير، فلحق بها، وكاد يقضي عليها لو لم يمنعه التمثال الرخامي، الذي عكف على المطوقة المرتعدة وغطاها بوشاحه الأبيض.
دهش المبتدئون أمام هذا المشهد، وعندما رجعوا إلى صوابهم غضبوا غضبا شديدا، وتحولوا إلى الرجل المسلح، فرأوه قد احتجب كوميضة البرق! •••
بعد أيام قليلة مرض الطوباوي وأشفي، فأحاط به الإخوة وجعلوا ينشدون والدموع تتناثر من أعينهم، فتقطرت أحشاء الأب يوسف ورفع نظره إليهم، وقال لهم بصوت ملؤه التعزية: إلى اللقاء يا إخوتي الأعزاء، إلى اللقاء بين أحضان الله! المجد لله!
ثم استنار بشعاع علوي طفا على قسمات وجهه، وأغمضت عيناه فرقد هنيئا بين يدي ربه! أما المطوقة، فيقال إنها لم تعش بعده.
أخذت الكنيسة هذا المسكين الساذج، ووضعته على المذابح حانية جبهتها أمام مجده النقي.
كتاب الفرض
قرع الباب قرعتين، ودخل السيد يوسف فقلت له: أأنت يا سيد يوسف؟ أهلا وسهلا، ادخل!
فقال لي، وهو يقترب من الموقد: إن البرد لشديد الوخز في الخارج، فاسمح لي أن أصطلي على نارك، ثم نزع عنه فروته الطويلة، واقترب من النار التي كانت تتلظى في المستوقد، وبعد هنيهة قال لي: ألا تعرف ما الذي قادني إليك في هذه الساعة الباردة؟
فأملت إليه مسمعي وأصغيت، فقال: جئت أقلق راحة مكتبتك، وأقلبها بطنا لظهر.
صفحه نامشخص