دقت الساعة معلنة منتصف الليل، فجمد الدم البارد في عروقي، وسمرتني الرهبة في مكاني؛ وسمعت طقطقة عظام صاعدة من أعماق القبر ...
ثم تراءى لي شبح كاهن أبيض منتصبا أمامي! ... عقبه أشباح كهنة رهيبة، خرجت من قبور لا يحصى عددها! ورأيت اثنين منهم ينحنيان بخشوع أمام الشبح الأبيض، ثم يجرانه إلى المعبد المنهار!
عند هذا سمعت أنغاما ذات تموجات عذبة، تملأ الهيكل المقدس، وأبصرت بخورا يتصاعد من مباخر عديدة، وبدرت مني التفاتة إلى العرش الرئيسي، فرأيت عليه الشبح الأبيض يلبسه الأشباح الصامتون جبة ذهبية، تخللتها جواهر كريمة كاد يرزح تحت ثقلها العظيم!
أما رأسه فكان معصبا بتاج من ذهب، وقدماه ملتويتين تحت ثقل العكاز الذهبي.
وأما الأنغام، فكانت تتصاعد مخيفة من وراء القبر.
بعد فترة قصيرة تقدم الكهنة اثنين اثنين، حتى بلغوا إلى أعمدة العرش، وعوضا عن أن يحيوا الرئيس استمروا منتصبين على أقدامهم لا يبدون حركة، في حين كان هذا ينعكف تحت الثقل ويخضع أمامهم.
ولما انتهت هذه «الرتبة» انحدرت أشباح الكهنة إلى المعبد، فاجتازته إلى أروقة الدير المتلف، حيث لمستني عند مرورها، فشعرت عندئذ بخوف عظيم في قلبي.
كان الرئيس المسكين يتثاقل وراء الأشباح، غير قادر على رفع عكازه الذهبي الثقيل، وكان محجراه المجوفان المنطفئة فيهما المقلتان طافحتين بالدموع.
تسلق الشبح الأبيض أدراج العرش، وحاول أن يرفع يده ليبارك، إلا أنها لم تستطع أن تتملص من العكاز.
عند هذا صعدت من صدره الملتهب تنهدات مختنقة وشكايات باحة، فانتفض انتفاضة أليمة، وصرخ بصوت ضعيف قائلا: يا مريم! يا أمي الحنونة!
صفحه نامشخص