ملحوظة
الكتاب الأول
الكتاب الثاني
مصادر الكتاب
ملحوظة
الكتاب الأول
الكتاب الثاني
مصادر الكتاب
تاو-تي-كنج
تاو-تي-كنج
كتاب الطريق والفضيلة
تأليف
لاو تسي
تقديم وترجمة
عبد الغفار مكاوي
مراجعة
مصطفى ماهر
تقديم
بقلم عبد الغفار مكاوي
بلغ الحكيم السبعين من عمره فوهن جسده وسئمت نفسه، واشتاق إلى الراحة فعزم على أن يهجر البلاد إلى الغرب البعيد، وجمع في جرابه ما يحتاج إليه؛ الكتاب الذي تعود أن يقرأ فيه، ومن الزاد القليل. وركب ثوره الأسود، يسحبه تلميذه الصغير، وراح يشق طريقه في بطن الجبل. وعندما بلغ مخفر الحدود تقدم حارس الجمرك الشاب فأوقف دابته السوداء وتطلع في وجه الشيخ وسأل: «هل من شيء يستحق الضريبة؟» فأجاب: «لا شيء.» وقال الصبي: «لقد كان يعلم.» وعاد حارس الجمرك يسأل: «وماذا كان يعلم؟» فقال الصبي: «إن الوداعة تغلب الشدة، وإن الماء يفتت الصخر.» فسأل الشاب من جديد والدهشة تطل من عينيه: «وما حكاية هذا الماء؟ إن كنت تعرف فتكلم، اكتبه لي، أمله على هذا الصبي، مل بدابتك وتلميذك إلى كوخي، عندنا الورق والمداد، ونستطيع أيضا أن نقدم لك وجبة العشاء.» قال الشيخ في نفسه: «إن من يسأل يستحق أن يجاب.» ونزل من فوق ثوره الأسود، ودخل إلى الكوخ وراح يملي على صبيه سبعة أيام متتالية، وفي اليوم السابع سلم الصبي حارس الجمرك - فيما تقول الأسطورة التي يرويها المؤرخ شي جي في المائة الأولى قبل الميلاد - إحدى وثمانين قصيدة، في أكثر من خمسة آلاف كلمة، خرجت من فم العارف الذي لا يحب الكلام، وكان منها هذا الكتاب الصغير العجيب «تاو تي كنج»، كتاب الطريق والفضيلة، الذي ألفه الحكيم لاو تسي وهو في طريقه إلى المهجر، بعد أن بلغ السبعين من عمره، وضعف جسده وسئمت نفسه.
ويسأل القارئ: ومن هو لاو تسي هذا؟ فتحضرنا الإجابة السريعة: إننا لا نعرف عنه شيئا أو لا نكاد نعرف عنه شيئا! لقد كان، وسيبقى دائما بالنسبة لنا مجهولا، مثله في ذلك مثل الطريق الذي يحدثنا عنه. لا أحد يدري إن كان «لاو تسي» هذا، وهي كلمة معناها المعلم الشيخ، قد عاش حقيقة أو إن كان شخصية أسطورية، لا يدري أحد إن كان هو الذي ألف الكتاب أو إن كان هو الذي جمعه ورتب أبوابه. ولا يدري أحد كذلك إن كان «لاو تسي» هو اسم الرجل أو اسم الكتاب الذي نسب إليه. ومع ذلك فيمكننا أن نقول مع بعض المؤرخين إنه ولد في عام 571 قبل الميلاد،
1
وإنه كان معاصرا للمعلم الأشهر كونفوشيوس - ولعله كان يكبره بعشرين عاما - وإنه نشأ في أسرة عريقة، واشتغل أمينا لوثائق القصر في العاصمة، وإنه ودع بلاده وهو ما يزال في منتصف العمر، وهاجر إلى الغرب البعيد حيث عاش في عزلة عن الناس حتى بلغ التسعين أو يزيد، وترك وراءه عددا وفيرا من الأبناء والأحفاد، كان أحدهم موظفا.
أما الكتاب المقدس عن الطريق والفضيلة - تلك هي الترجمة الحرفية لتاو تي كنج - وهو الذي تحدى قدرة المترجمين والمفسرين في الشرق والغرب على مدى مئات السنين، فلم يثبت وجوده إلا في القرن السادس بعد المسيح. مؤلف مجهول الاسم كالطريق الذي يبشر به، ومع ذلك فنحن لا نستطيع أن نجهل شخصيته الحائرة التي تطالعنا من بين السطور فيما يشبه الاعتراف الذاتي حين يقول في المقطوعة العشرين:
الناس جميعهم فرحون
كأنهم يشاركون في وليمة التضحية.
كأنهم ذاهبون إلى مهرجان الربيع.
أنا وحدي أرقد في سكون
أشبه بطفل صغير
لم يبتسم مرة واحدة في حياته.
أنا وحدي متعب، حزين القلب،
مضيع، وكأني بغير هدف.
أنا وحدي غير الآخرين.
أو شخصيته الآمرة الواثقة التي تقابلنا في المقطوعة 67:
رحيم، من أجل هذا وحده أستطيع أن أكون شجاعا،
معتدل، من أجل هذا وحده أستطيع أن أكون كريما،
أو التي تفاجئنا وتبهرنا في المقطوعة 70:
النادرون هم الذين يفهمونني،
والذين يتبعونني، هم المرموقون.
ولكن هل نحن في حاجة إلى الاستشهاد بكلماته وقد كان لها كل هذا الأثر في خلق ديانة لها الآن أتباعها وكهنتها ومعابدها وطقوسها؟!
ومع ذلك فهذه الديانة أو هذا المذهب الذي يعد لاو تسي مؤسسه الأول يحيط به الظلام والغموض من كل ناحية. فالتصور الأساسي فيه، وهو «التاو» (الطريق) قد ورد في مواضع كثيرة من حكم كونفوشيوس بمعنى طريق الملوك الأقدمين، أو طريق السلوك الصحيح في الحياة. وهو يرد في التاوية القديمة بمعنى الطريق إلى الحياة الأبدية، كما يشهد بذلك البيت الأخير من القصيدة التاسعة والخمسين حيث يقول:
هذا هو طريق الحياة الأبدية،
طريق الرؤيا الدائمة.
ثم اتسع مدلول الكلمة فكانت تطلق على طريق العالم، أو الطبيعة، وعلى مبدأ كل حياة ووجود، حتى أصبحت تدل أخيرا على تلك الحقيقة التي لا تحيط بها الأسماء والصفات، وإن اضطرت الإنسان إلى تسميتها بالطريق حتى يستطيع أن يتحدث عنها.
أما عن كلمة «تي» التي ترد بعد «التاو» في اسم هذا الكتاب المقدس فقد مرت كذلك بمراحل عديدة. كانت في البداية تدل على القوة السحرية التي يوصف بها من يقوم بالشعائر والطقوس على الوجه الصحيح، ثم أطلقت بعد ذلك على كل من يسلك السلوك الأخلاقي الطيب. وهي في الحقيقة تلتقي مع كلمة
Virtus
اللاتينية التي تترجم عادة بالفضيلة، وإن كانت تعني كذلك القوة والطاقة والإرادة الكامنة في أعماق الإنسان.
والهدف من التصوف التاوي هو العودة بالإنسان إلى الطبيعة الأصيلة، إلى بساطتها وبراءتها وصفائها الأول، والرجوع بذلك إلى الحياة الأبدية الباقية. وتتمثل هذه البساطة الأولى في الطفل، كما تتمثل في اللانهائي واللامحدود، وفي كتلة الخشب الخام الذي لم تمسسه يد بشر، ولم تحاول معالجته بالتشكيل والتصنيع. ولكن هناك عقبات كثيرة تحول بين الإنسان وبين السير على طريق الأبد والبقاء، هناك الأنانية، والسعي الدائب إلى الكسب والشهرة والنجاح، وهناك الحضارة والفن وقوانين الحكم والتعلم، بالمعنى الذي يجعل الإنسان يستزيد من المعلومات «عن العالم» بدلا من معرفة «العالم» نفسه، ويطلب الدرس والتحصيل فيفقد الحب والحكمة. وطريق الحكيم إلى السعادة يتلخص في كلمة واحدة هي «وو-وي»؛ أي التخلي عن الفعل وعدم العمل عن طريق الحد من البذور والكلمات والأفعال. وليس المقصود بذلك هو الكسل أو التواكل والجمود، بل هو عدم «التدخل» في مجرى الطبيعة، والإعراض عن كل فعل من شأنه أن يثير شهوة النجاح والتملك والسيطرة، ويولد بدوره من الأفعال ما يزيد من حدة التنافس بين الناس، ويدفعهم إلى تسلق سلم الطموح والشهرة والتحكم الذي لا آخر له. فالحكيم كما تقول إحدى القصائد، لا يشتهي شيئا، اللهم إلا ألا يشتهي. إنه يسير على طريق يخالف طريق الفكر الغربي الذي يطبع العالم اليوم بطابعه، وينشر سلطانه المفزع حتى على البلد الذي نشأ فيه الحكيم نفسه، ذلك أن مفكر الغرب - منذ ألقى الفيلسوف اليوناني الأول سؤاله المشهور: ما هو الموجود؟ مارا ببيكون وديكارت في أوائل العصر الحديث حتى أيامنا هذه - قد انساق بإرادته أو بغير إرادته وراء السيطرة على العالم، والتحكم فيه بالعقل واليد والآلة، بينما حاول الحكيم الشرقي دائما أن يحب العالم ويعانقه ويندمج فيه.
ونخطئ خطأ كبيرا إن ظننا أن الحكيم الصيني قد نادى بالتخلي عن العالم أو إهمال الجسد؛ ذلك أن السعادة التي ينشدها روحية بقدر ما هي جسدية. بل إنه لا يفرق بين جسد وروح كما يفرق بين دنيا وآخرة، بين وجود أرضي ووجود آخر وراءه كما فرقت بينهما الفلسفة الإغريقية مثلا، من أدل الأشياء على ذلك - فيما يقول المتخصصون في اللغة الصينية - أن كلمة شن تدل على الجسد كما تدل على الروح في آن واحد، كما تشير إلى ذلك القصيدة الثالثة عشرة. فالحياة الأبدية إذن استمرار للحياة الجسدية، والمحافظة على الحياة الجسدية تكاد تكون فكرة أساسية في هذا الكتاب، إن لم تكن هي لبه وجوهره. وإذا كان الازدهار يتبعه الذبول، فإن الحكيم يريد للإنسان أن يعيش في ربيع دائم، وأن يقف بكل طاقته في طريق العجز والشيخوخة، ولكن قانون الطبيعة يقول إن الازدهار يتبعه الذبول، وإن الحياة تنتهي بالموت؛ ولذلك فإن الحكيم التاوي يرى أن كل أمل للإنسان في الخلود ينتهي حين يبلغ السبعين من عمره. فعلى الإنسان إذن أن يبقى بغير عمل، ولن يجد شيئا لم يعمل، أن يلزم السكينة والهدوء، وسوف تنحل كل العقد من تلقاء نفسها، أن يجرد ذاته من شهوة الكسب والنجاح، فيصل إلى الكسب والنجاح الحقيقيين بالاتحاد مع «التاو»، طريق السماء. هذا المذهب في السلوك والحياة يكون أبعد ما يكون أثرا على حياة الرعية حين يأخذ به الراعي نفسه؛ ولذلك نجد الحكيم يوجه حديثه إلى الحاكم بوجه خاص، ويهتم بنجاته وتحكمه في نفسه أشد الاهتمام. وهذه العناية بالحاكم أو الملك مستمدة من طبيعة النظرة الصينية نفسها منذ القدم، فهي لم تفصل أبدا بين الكون الصغير والكون الكبير، ولم تذكر الأرض والسماء إلا ذكرت معهما الملك والحاكم، ولم تتحدث عن الفضيلة الصوفية إلا وتحدثت عن فضيلة الحكم وإدارة شئون الدولة. وشخصية الحكيم نفسه مزيج من الزاهد العاكف على التأمل والحاكم المدبر لشئون الرعية، فإذا قال عن الحكيم أو القديس (في القصيدة الثانية عشرة) إنه «يعمل من أجل البطن لا من أجل العين.» فهو يحدد بذلك قاعدة السلوك الصحيح للفرد، كما يحدد قاعدة الحكم للحاكم. إنه ينصحه بأن يهتم بإشباع الشعب لا «بتفتيح عينيه» أو إيقاظ شهواته؛ وبذلك تتداخل خيوط الصوفية والحكمة العملية والسياسية في نسيج واحد.
ولكي نفهم هذا الكتاب حق الفهم ينبغي أن نعرف البيئة والظروف التي نشأ فيها. لقد كانت السكينة والهدوء وعدم الفعل محاولة من مؤلفه المجهول لفض المنازعات الدامية التي سادت في عصره؛ فقد ظلت الإمارات والدويلات الصينية منذ القرن الخامس قبل الميلاد تتصارع على السيادة وتشتبك في حروب ومؤامرات لا آخر لها. كان الاستيلاء على الدولة أو المملكة هو مشكلة الساعة كما نقول اليوم (راجع القصائد 29، 31، 48). وراح الفلاسفة والحكماء يرحلون من إمارة إلى إمارة ليدلوا أصحابها على أفضل طريق إلى السيادة على العالم (فقد كانت المملكة ومملكة الأرض بالنسبة للصيني شيئا واحدا). اقترحوا عليهم أن يتحدوا مع دولة تسين Tsin التي كانت تنمو وتتضخم على نحو ينذر بالخطر أو يتحدوا ضدها، ولكن فكرتهم عن إقامة دولة القانون والبوليس، وهي التي عرفت فيما بعد بالنظرية القانونية، وجدت الترحيب والقبول في نفوس الأمراء، ونشأت نظرية الحكم القانوني في مملكة تسي الغنية في شمالي شرقي الصين، ثم تطورات إلى أقصى حد في مملكة تسين
Tsin
في الغرب، حتى تمكنت من هزيمة منافسيها جميعا في عام 221ق.م. وأسست تلك الدولة الموحدة التي نسميها اليوم بالصين، ولكن هذه الدولة التي قامت على الحكم المتجبر والتسليح الشامل، وأدمت ظهور الشعب بالسخرة المهينة والتدريب المتصل على الحرب ما لبثت أن انهارت بعد خمسة عشر عاما من الطغيان والجبروت. ورأى لاو تسي أن الموت في ظل دولة كهذه أعذب من الحياة. ولم يملك في وجه نظام يمجد الحرب ويؤله السلاح إلا أن يكتب حكمه التي تدعو إلى السلام في حرارة وصدق لا يخلوان من الغضب المقدس، وأن يصف الأسلحة والجيوش بأنها من بين الشرور أعظمها شرا، ومن ثم وجدناه يقول في المقطوعة الثلاثين:
حيث تكون الجيوش، تنمو الأشواك والأحراش،
وبعد المعركة العظيمة
تأتي السنون العجاف.
كما يقول في المقطوعة الواحدة والثلاثين:
لأن الأسلحة أدوات الشر،
ولأن الكائنات تكرهها؛
فإن من يملك الطريق
لا يسكن قريبا منها.
أو في المقطوعة التاسعة والستين:
حقا، عندما يشرع اثنان السلاح أحدهما في وجه الآخر،
فإن من يندب حظه منهما هو المنتصر.
ورأيناه يقف في وجه الحكم الدكتاتوري الشمولي - كما نعبر اليوم - ويرفض رقابة الدولة على وجدان الشعب وسلوكه، فهو يقول في بداية المقطوعة الثامنة والخمسين ناعيا على الحاكم كل نشاط يمكن أن يؤدي إلى النزاع وكل فاعلية فاسدة قد ينجم عنها التطاحن والصراع:
عندما يكون الحاكم كسولا وضيق الحيلة،
يكون الشعب سعيدا وقرير العين،
عندما يكون الحاكم نشيطا وحازما،
يكون الشعب بائسا وساخطا.
ويقول في مطلع القصيدة الستين:
احكم البلد العظيم
كما لو كنت تقلي الأسماك الصغيرة.
أو يقول في القصيدة الرابعة والسبعين:
إذا كان الشعب لا يخاف من الموت
فلماذا إذن نبث فيه الرعب من الموت؟
وفي وقت يرى الحكيم فيه شعبه تهدر إنسانيته وتقتل الحرب والسخرة كرامته، كان لا بد له وهو الذي يعيش في آلام الناس أن يقول بيته المشهور في الفصل الثمانين:
اجعل الشعب يأخذ الموت مأخذا جادا.
وانهارت دولة «تسين» كما قلنا بعد حكم متجبر لم يزد على خمسة عشر عاما، وتبعتها دولة «هان» التي قامت بعدد كبير من الإصلاحات الإدارية والتشريعية، ومن أهمها تأسيس دولة الموظفين على أنقاض دولة الإقطاع. وفي عام 136ق.م. أعلنت الكونفوشية مذهبا رسميا للدولة، وظلت كذلك حتى عام 1911 بعد الميلاد.
ويرجع الفضل في نشر هذه الفلسفة إلى كونج كيو، أو كونج فو تسي الذي اشتهر باسم «المعلم كونج» وقد عاش وحكم حوالي عام 500ق.م. فقد قضى حياته في تربية شباب النبلاء في بلاد «لو» وأصبحت القواعد التي قامت عليها هذه التربية أساسا لما سمي فيما بعد بالمذهب الكونفوشي. وقد لعبت الكرامة الإنسانية أو الصداقة للإنسان (ين) دورا أساسيا في هذه التربية، كما كان الهدف منها هو الابن المطيع والرعية الوفية، ومثلها الأعلى الذي وضعته أمام الأمراء هم القديسون والحكماء من الملوك العظام والقياصرة الإلهيين في العصور القديمة.
وجاء مونج-تسي، الذي يسميه الغربيون منسيوس (من عام 372 إلى عام 289ق.م.) فكافح في سبيل تدعيم الكونفوشية، وأضاف إلى ال «ين» فضيلة جديدة هي العدل، وأكملهما بالذكاء، والأخلاق الطيبة، والموسيقى، وأصبح الخير مع الزمن نتيجة للتربية والتعليم. وعندما وضع لاو تسي كتابه كانت الإنسانية (ين) وسائر الفضائل قد أصبحت مجرد شعارات وشعائر أدت بطبيعتها إلى الكذب والنفاق الاجتماعي؛ ولذلك لم يكن عجيبا أن يتطرف لاو تسي في الهجوم عليها إلى الحد الذي يرفض معه الإنسانية نفسها بعد أن أصبحت مرادفة لآداب اللياقة وشعائر الذوق والاحترام، وأن يتطرف كذلك في رفضه «للتعليم» الذي لا تكاد توجد حكمة من حكم كونفوشيوس التي جمعها تلاميذه في المجموعة المعروفة باسم «لون يي» إلا وتبدأ بها. فالتعليم في رأيه خطر على البراءة الطبيعية والسعادة الصوفية. والحاكم الذي يدبر شئون الرعية بالفطنة والمهارة والشطارة يزيد الرعية تعاسة وشقاء. والعصر الذهبي الذي عاش فيه الحكماء الأقدمون لم يكن يعرف شيئا عن الكتابة والتدوين (المقطوعة الثمانون):
اجعل الناس كذلك يرجعون
إلى الحبل المعقود ويستعملونه.
ولا كان يهتم بالدرس والتحصيل (المقطوعة العشرون):
اطرح التعلم وسوف تنتهي همومك!
أو كما يقول في المقطوعة الثامنة والأربعين:
ابق بغير عمل
ولن تجد شيئا لم يعمل
أو كما يعبر في القصيدة الخامسة والستين:
القدماء الذين عرفوا كيف يهتدون بالطريق
لم يكن هدفهم تنوير الشعب
بل إبقاؤه جاهلا،
فكلما زاد حظه من العلم
كان عسيرا على الحكم.
ولعل من السخرية أن الذي ينصح الناس بعدم الفعل وعدم الكلام قد اضطر إلى تدوين أسرار حكمته في خمسة آلاف كلمة! •••
قلنا إن كتاب تاو-تي-كنج مزيج من التصوف والحكمة العملية والنظرية السياسية. ولم يكن بد من أن يعرضه ذلك لمختلف التفسيرات والتأويلات على مر العصور. فقد تفرعت التاوية في القرون الأولى بعد الميلاد إلى فرعين: مذهب في الكون والحياة يؤمن به مجموعة من المثقفين المنعزلين عن العالم، وعقيدة سحرية شعبية استجابت لها جموع الفلاحين. واشتبكت التاوية في صراع حاد مع البوذية، وسرعان ما ارتفع لاو تسي إلى صفوف الآلهة، وأصبحت التاوية دينا له معابده وأسراره وكهنته وطقوسه كما أصبحت وسيلة لممارسة فنون السحر والدجل والشعوذة.
أما تأثيرها السياسي فمن الصعب تقديره. فيروى أن الحكم السعيد الذي اشتهر به أحد قياصرة دولة هان (وهو ون-دي الذي حكم من عام 179 إلى عام 157 قبل الميلاد) يرجع قبل كل شيء إلى تأثير الفلسفة التاوية عليه. كما يروى أن أمه كانت تحب كلمات لاو تسي ولم تكن تميل إلى فنون الكونفوشيين. وقد استطاع ابنها بالتواضع والتسامح والهدوء أن يقلم أظفار الطموح في قواده ومستشاريه وأن يقف في وجه أعدائه الشماليين من الهون-خان وينشر السعادة والرخاء في بلاده. كما أن انتشار فكرة عدم العمل في عهد ازدهار التاوية الجديدة في القرنين الثالث والرابع بعد المسيح (وبخاصة على يد مستشار الدولة وانج يان) هو المسئول إلى حد كبير عن العام الأسود 311ق.م. الذي مرت به دولة الصين؛ إذ وقعت في أيدي قبائل الهون وانشقت على نفسها قرونا عديدة. ومع ذلك فقد يمكن القول بأن الفهم الصحيح لفكرة الامتناع عن العمل، وهو عدم الإفراط أو تجاوز الحد، هو الذي كفل لدولة الوسط (الصين) أن تتصل حضارتها وتاريخها من العصور القديمة إلى اليوم.
لم يعد هناك شك في أن التاوية كانت انقلابا عظيما على الدين التقليدي في الصين وحماسا شديدا في سبيل المطلق، كما كانت رد فعل قوي ضد الطقوس القديمة وحربا على النفاق الاجتماعي ومراسم اللياقة والسلوك. فالتاويون متصوفون يندمجون في الطبيعة، ويمقتون النفاق، ويرفعون من شأن الإلهام والروح الشعرية الغنائية أمام سيادة العقل والتعاليم الأخلاقية الشكلية عند الكونفوشيين، كما يقدمون الحكمة على المعرفة، وينصرون الفرد في وجه الجماعة، ويفسحون المجال لخلجات النفس وأشواق الروح وشرارة الخيال تجاه ما قرره الكونفوشيون من واجبات الإنسان ومسئولياته أمام الأسرة والنظام الاجتماعي. وإذا كان الحكيم التاوي يريد أن يحرر نفسه من كل رغبة في الامتلاك، فلا شك في أنه لم يكن يسعى إلى شيء كسعيه إلى امتلاك المطلق، الواحد، الأول، البسيط، والرجوع إلى «التاو» مبدأ كل حياة وسر كل وجود.
إن القارئ الذي يتعمق في قراءة هذا الكتاب، لا بد سيحس بضرورته في عصر التسابق والصراع الذي لا يعرف حدا للطمع والقلق والطموح. وسوف يبتسم بالطبع في نهاية الأمر حين يطلب منه الحكيم الطيب أن يمتنع عن العمل لكي يصل إلى الطريق. إذ كيف يفهم ما يريده الحكيم بالعمل؟ وإذا امتنع عن العمل فكيف يستطيع أن يبرر حياته في زمن لا يقدس شيئا كما يقدس العمل؟
الحق أنه لو كان التوقف عن النشاط والعمل مرادفا للكسل والاستكانة ما استحق منا هذا الكتاب أن نخط فيه حرفا واحدا، ولكن المؤلف الذي يعلمنا التواضع والاتضاع في زمن يمجد النجاح والطموح مهما تكن نتيجتهما، ويعيدنا إلى منبع السكينة في زمن يعصف به القلق، ويحذرنا من تجاوز الحد في وقت يتباهى فيه الإنسان بقوته ويكاد ينسى أن الإنسان ليس إلها، ويغني للوداعة والمحبة والسلام حيث يزداد ضجيج السلاح في كل مكان، مثل هذا المؤلف جدير بإنسان العصر، ولا شك، أن يتوقف لحظة ليستمع إليه ويسأل نفسه إن كان الحق معه. سيجد في كلماته أصداء من حكمة اليونان - وهل علمنا اليونان درسا أغلى من الاعتدال ومعرفة الحد؟ - ومن موعظة الجبل وخطبة الوداع. وسيتذكر معه موكب الصابرين والمتواضعين من أقدم العصور إلى تولستوي في العصر الحديث. وإذا أفلحت هذه الحكمة في أن تنتزع منه الابتسام، فلا شك أنها ستحمل مع الابتسام كثيرا من الصبر والأمل والعزاء.
ملحوظة
لما كنت لا أعرف للأسف حرفا واحدا من اللغة الصينية فقد اعتمدت في هذه الترجمة على ثلاث ترجمات هي كل ما استطعت أن أصل إليه، أوضحت لي مدى الاختلاف حول تفسير النص الذي لا شك في أنه يبلغ في لغته الأصلية حدا كبيرا من الغموض والتعقيد. وسيجد القارئ نص القصائد في أعلى الصفحة، أثبته بعد المقارنة والاحتكام إلى آراء الشراح وتغليب ما اطمأن إليه إحساسي ورجحت قربه من وجدان المؤلف وحكمته وشاعريته. وسيجد القارئ في الهوامش القراءات المختلفة في الترجمات، نصصت عليها في بعضها، وتجنبت أن أثقل عليه بها في البعض الآخر، وسيجد كذلك شرحا لبعض المواضع الغامضة اعتمدت فيه على الثقات من المترجمين والمفسرين، وبالأخص المترجم الألماني «جونتر ديبون» والمترجم الإنجليزي «آرثروالي»، أما الكاتب الصيني «لين يوتانج» الذي نشر الكتاب وأضاف إليه كثيرا من التعليقات وزخرفه بكثير من الطرائف والحكايات التي استمدها من كتابات الحكيم تشو انج تسي - ألمع تلامذة لاو تسي وأشدهم نبوغا وشاعرية - فقد التزمت منه موقف الحذر؛ بعد أن نبه بعض الباحثين إلى ما بين الحكيمين من فروق جوهرية، وإن كنت قد استفدت كثيرا من ترجمته الجميلة المبسطة.
وللقارئ أن يطمئن إلى القراءة التي يرضاها ذوقه، حتى يقيض الله لنا - في وقت قريب أو بعيد - من أبناء وطننا من ينقل هذا الكتاب، الذي لم يوصف عبثا بالقداسة، عن لغته الأصلية مباشرة، ومن يدري؟ فقد لا يطول بنا الانتظار!
الكتاب الأول
1
الطريق
لو كان في استطاعتنا أن ندل على الطريق
ما كان هو الطريق الأبدي.
لو كان في استطاعتنا أن نسمي الاسم
لما كان هو الاسم الأبدي.
الذي بغير اسم
هو مبدأ السماء والأرض ،
والذي له اسم
هو أم الجواهر العشرة آلاف.
1
حقا،
من كان إلى الأبد بغير شهوة
2
فسوف يري سر الأسرار.
من كان إلى الأبد محكوما بالشهوات
3
فلن يرى إلا طرف ثوبه.
4
هذان الاثنان شيء واحد
خرجا إلى الوجود فاختلفت أسماؤهما،
التوحيد بينهما نصفه بأنه صوفي،
صوفي، ومرة أخرى صوفي.
هو الباب الذي يؤدي إلى سر كل حياة.
5
2
نشأة الأضداد
منذ أن عرف كل إنسان على الأرض.
6
جمال الجميل
وجد القبح،
منذ أن عرف كل إنسان على الأرض
أن الخير خير
وجد الشر.
حقا،
الوجود وعدم الوجود ينبع أحدهما من الآخر؛
الثقيل والخفيف كلاهما شرط للآخر.
الطويل والقصير كلاهما مقياس لصاحبه.
العالي والواطي يحدد أحدهما الآخر.
الصوت (البشري) يلتئم مع النغم في الجوقة.
واللاحق يتبع السابق.
لذلك فإن الحكيم
ينبغي أن يعمل بغير عمل،
وأن يعلم من غير كلام.
7
الجواهر العشرة آلاف خلقت منه
غير أنه لا يتخلى
8
عنها.
هو ينتج، ولكنه لا يمتلك،
ويعمل، ولكنه لا يعول على عمله.
وإذا ما أتم عمله، لم يتلبث عنده.
9
ولأنه لا يتلبث عنده،
فليس هناك شيء
يمكن أن يفلت منه.
3
العمل بغير عمل
من لا يكرم الدءوبين
يجعل الشعب لا يتنازع.
10
من لا يقدر الخيرات التي يتعذر الوصول إليها
يجعل الشعب لا يتحول إلى لصوص.
من لا يعرض على الناس ما يثير فيهم الشهوة
يجعلهم لا يتحولون إلى عصاة.
11
لذلك كان حكم الحكيم:
إنه يفرغ عقولهم
ويملأ بطونهم،
يضعف إرادتهم.
12
ويقوي عظامهم.
إنه يترك الشعب أبدا
بلا علم ولا شهوة.
ويجعل الأذكياء
لا يتجاسرون على الفعل.
وإذا فعل عدم-الفعل.
13
لم يبق شيء يستعصي على الحكم.
4
جوهر الطريق
الطريق خال من المكان.
14
بحيث إن الاستعمال لا يملؤه.
15
آه! عميق هو وبلا قرار،
شبيه بحد الكائنات العشرة آلاف.
16
إنه يثلم حده،
يحل عقده،
يلطف لمعانه
ويمسح ترابه.
17
عميق هو وبلا قرار، آه،
حاضر إلى الأبد.
أنا لا أدري، ابن من هو
هو صورة من كان.
18
قبل أن تكون الآلهة.
19
5
الأرض والسماء
السماء والأرض غير ودودتين مع الناس؛
إنهما يعاملان الكائنات العشرة آلاف كما لو كانت كلابا من القش.
20
الحكيم غير ودود مع الناس؛
إنه يعامل الأجناس العشرة الآلاف
21
كما لو كانت كلابا من القش.
السماء والأرض،
ما أشبه الفضاء الممتد بينهما بالمنفاخ!
إنه فارغ، وإن كان الهواء لا ينقطع منه.
كلما تحرك، ازداد عطاؤه.
بالكلمات الكثيرة يجهد الروح.
خير ما يفعله الإنسان، أن يحتفظ بها في صدره.
22
6
روح الوادي
خالدة هي روح
23
الوادي،
هكذا تسمى الأنوثة الحافلة بالأسرار.
بوابة الأنوثة الحافلة بالأسرار:
هي جذر السماء والأرض.
ثابتة في ضمائرنا
كأنها ستدوم أبدا،
اغترف منها كما تشاء
ولن تجف أبدا.
24
7
الحياة من أجل الآخرين
السماء تبقى أبدا، والأرض تدوم،
ولكن ما الذي يمنح السماء والأرض القدرة
على البقاء والدوام؟
لأنهما لا يتلقيان الحياة من نفسيهما
من أجل هذا يستطيعان أن يعيشا إلى الأبد.
لذلك فإن الحكيم
يؤخر نفسه
فتصبح في المقدمة
25
يطرد ذاته
فتدخل من جديد.
أليس هذا لأنه مجرد عن حب النفس؟
من أجل هذا يستطيع أن يصل بنفسه إلى الكمال.
26
8
الماء
الخير الأسمى يشبه الماء.
وخير ما في الماء أنه ينفع الكائنات العشرة آلاف،
ومع ذلك فهو لا ينازعهم شيئا،
بل يتجمع في أماكن (واطئة)
تستبشعها عامة الناس
ذلك ما يجعل الماء قريبا من الطريق.
خير ما في المسكن هو الأساس
خير ما في التفكير هو العمق
خير ما في العطاء هو الإنسانية
خير ما في الكلام هو الصدق
خير ما في الحكم هو النظام
خير ما في العمل هو المقدرة
27
خير ما في الحركة هو الوقت الملائم.
طوبى! من لا يتنازع
هو وحده الذي تحصن ضد الهوان.
28
9
خطر النجاح الزائد عن الحد
أمسك الكأس واملأها في الوقت نفسه
وسوف تتمنى لو أنك تركتها وشأنها!
المس حد السيف واشحذه إلى أقصى درجة
وسوف تجد أنه لن يظل قاطعا!
املأ القاعة بالجواهر والأحجار الكريمة
وسوف تعرف أنك لن تستطيع أن تحرسها على الدوام.
المغرور بالغنى والشرف
يوقع نفسه في الشر .
أن تتم عملك
ثم تتوارى
ذلك هو طريق السماء.
10
عانق الواحد
ألجم روح الجسد،
29
عانق الواحد
وسوف لا تحيد عن الطريق.
اجمع النفس، ابلغ الوداعة.
30
وسوف تصبح كالطفل.
نق نظرتك الصوفية
31
وصفها
وسوف تبقى بلا عيب.
حافظ على شعبك وأنت تحكم بلدك
وسوف تبقى بلا فعل.
32
افتح أبواب السماء وأغلقها
وسوف تصبح أنثى صغيرة.
33
أنر (بالمعرفة) أطراف العالم الأربعة
وسوف تظل مجهولا على الأرض.
34
أنتج هذا، وارع هذا!
35
أنتج، ولكن لا تملك.
افعل، ولكن لا تعول على فعلك،
دبر، ولكن لا تحكم،
هذا ما يسمونه بالفضيلة الصوفية.
11
عدم الوجود
ثلاثون شعاعا.
36
تتجمع في دولاب العجلة.
ولكن هنالك حيث لا يكون شيء،
تكون منفعة العجلة.
قد وعاء من الطين
لتشرب منه.
هنالك، حيث لا يكون شيء.
37
تكون منفعة الوعاء.
انجر أبوابا ونوافذ
لتعد منها مسكنا
هنالك، حيث لا يكون شيء.
38
تكون منفعة المسكن.
حقا،
إن عرفت منفعة الوجود
فاعرف أن عدم الوجود ينفعك.
12
الألوان والأنغام
الألوان الخمسة
تجعل عين الإنسان عمياء.
الأنغام الخمسة
تجعل أذن الإنسان صماء.
الطعوم الخمسة
تجعل فم الإنسان لا يستسيغ طعما.
سباق العربات والصيد
يصيب عقل الإنسان بالجنون،
المتاع العسير المنال
يجعل خطوهم ثقيلا.
لذلك فإن الحكيم
يعمل من أجل البطن.
39
لا من أجل العين.
حقا،
إنه يدع ذاك! ويتمسك بهذا!
40
الشرف والعار كلاهما شوكة.
41
التكريم ألم عظيم كألم جسدك.
42
ما معنى القول:
بأن الشرف والعار كلاهما شوكة؟ (معناه أن) الشرف شيء رفيع كما أن العار شيء دنيء.
وأن بلوغهما شوكة.
معنى هذا: أن الشرف والعار كلاهما شوكة.
43
ما معنى القول:
44
بأن التكريم ألم عظيم كألم جسدك؟
معناه أن إحساسنا بالآلام العظيمة
يرجع إلى أن لنا جسدا.
ولو كنا بغير جسد
فكيف كان يمكن لنا أن نتألم؟!
حقا،
كرم الدولة كما تكرم جسدك
يعهد إليك بحكمها.
احفظ الدولة كما تحفظ جسدك
يسند إليك تدبير أمرها.
45
13
أصل الطريق
تتطلع إليه، ولكنه لا يرى،
اسمه ما لا يرى.
تنصت إليه، ولكنه لا يسمع،
اسمه ما لا يسمع.
تمد يديك إليه، ولكنه لا يلمس،
اسمه ما لا يلمس.
هذه الثلاثة لن تستطيع أن تمعن في البحث عنها،
حقا،
مختلطة هي ومرتبطة بالواحد.
إن أشرق لم يكن نور
إن أفل لم يكن ظلام.
غير متناه هو، لا سبيل إلى تسميته،
وإلى مملكة العدم عاد.
ذلك ما يسمونه:
شكل ما لا شكل له،
صورة ما لا قوام له
ذلك ما يسمونه: المنزلق.
46
من يلتقي به لا يرى وجهه
من يتبعه، لا يلمح ظهره.
تمسك بطريق القدماء
وسوف تتحكم في الحاضر!
47
إن عرفت ما في البدء كان.
48
فقد عرفت ما نسميه سر
49
الطريق.
14
الحكماء الأقدمون
من كان في العصر القديم حكيما ومعلما.
50
كان دقيق الفكر، غنيا بالأسرار، نافذ البصيرة،
كان من العمق، بحيث ظل عصيا على الفهم.
ولأن أحدا لم يستطع أن يفهمه
لذلك أحب أن أعرض مسلكه،
متردد، آه!
كأنه يعبر نهرا في الشتاء،
خائف، آه!
كأنه يخشى الجيران من حوله،
متزن، آه!
كأنه يجلس في حضرة مضيفه،
متسامح، آه!
كأنه الثلج عندما يذوب،
أصيل، آه!
كأنه خشب لم تمسسه يد،
واسع الصدر، آه!
كأنه وادي النهر،
مضطرب، آه!
كأنه دوامة (من الماء العكر).
من يستطيع أن يهدئ الدوامة،
حتى تصفو شيئا فشيئا؟
من يستطيع أن يحرك الساكن،
حتى تعود إليه الحياة بالتدريج؟
من يحافظ على هذا الطريق
لا يتوق إلى الامتلاء.
51
لأن ما يمتلئ
هو ما قد يهلك ولا يتجدد.
15
معرفة القانون الأبدي
أن تصل إلى الطرف الأقصى للفراغ.
أن تحافظ على السكون، على الثبات.
الكائنات العشرة آلاف تشارك بعضها بعضا في الفعل
بذلك أستطيع أن أتأمل عودتها.
فكلما ازدهرت الكائنات وزهت ألوانها
عاد كل منها إلى وطنه الأصلي.
العودة إلى الأصل معناها أن تجد السكون.
أن تجد السكون معناه: أن تعود إلى القدر.
أن تعود إلى القدر معناه: أن تكون أبديا.
أن تعرف الأبد معناه أن تكون متجليا.
من لا يعرف الأبد
يوجد الشر بغير عقل.
من يعرف الأبد، فهو صبور.
أن تكون صبورا معناه أن تكون حرا،
أن تكون حرا معناه، أن تحيط بكل شيء.
أن تحيط بكل شيء معناه أن تكون سماويا.
ولكن الطريق سماوي.
ومن يلازم الطريق يبقى
إن سقط جسده، لا يتعرض لخطر.
16
الحاكمون
أصحاب المناصب العليا.
52
لا يعرف الشعب عنهم إلا أنهم موجودون.
الذين يتلونهم في الدرجة
يحبهم الشعب ويثني عليهم،
والذين يأتون بعدهم
يخشى بأسهم،
والذين يأتون بعد هؤلاء
يستبشعهم.
من لا يثق بالناس ثقة كافية.
53
لا يخلص له أحد.
54
كم كان حياؤهم، وهم يكرمون الكلمة!
55
ما إن يتم الفعل، وينجز العمل،
حتى تقول الأجناس المائة.
56
لقد فعلناه من تلقاء أنفسنا.
17
سقوط «التاو» (الطريق) وضياعه
عندما يتخلى الناس عن الطريق العظيم
توجد «الإنسانية» و«العدالة».
وعندما تظهر الفطنة والمعرفة
يتبعهما النفاق على الأثر.
حين لا تعيش العلاقات الست
57
في وئام
تسمع (الثناء) على «الآباء الطيبين» و«الأبناء الأفياء»،
وحين تهوي البلاد في الفوضى والاضطراب
تسمع الثناء على «الوزراء المخلصين».
58
18
تحقيق الذات البسيطة
اطرد الحكمة، اطرح الفطنة.
59
وسوف يستفيد الشعب مائة مرة
اطرد «الإنسانية»، اطرح العدالة
وسوف يعود الشعب إلى طاعة الأبناء، وحب الآباء.
60
اطرد المهارة، اطرح المنفعة،
وسوف يختفي اللصوص وقطاع الطريق.
هذه الأمور الثلاثة لا تكفي لكي تعدها من علامات التحضر
أصدر أمرا يلزم الناس إلزاما!
تأمل البراق وتلمس البسيط!
تحكم في أثرتك واقتصد في شهواتك!
61
19
العالم وأنا
اطرح التعلم وسوف تنتهي همومك!
أي فرق هناك بين «أجل» وبين «بكل سرور».
62
بين الخير والشر
أي فرق هناك؟
إن ما يخاف منه الناس
جدير حقا بأن تخافه
ولكن آه، ما أبعد الفجر!
63
الناس جميعهم فرحون
كأنهم يشاركون في وليمة التضحية
كأنهم ذاهبون إلى مهرجان الربيع.
64
أنا وحدي أرقد في سكون
ما من إشارة أعطيتها؛
65
أشبه بطفل صغير
لم يبتسم مرة واحدة في حياته
أترنح وأتمايل،
كأنني أضعت وطني.
الناس جميعا عندهم فوق ما يكفيهم
أنا وحدي تعريت عن كل شيء.
66
حقا! إن قلبي، قلب أحمق
معتم ومضطرب.
67
عامة الناس لامعون،
أنا وحدي مظلم،
عامة الناس جادون واثقون من أنفسهم.
أنا وحدي متعب حزين القلب ،
ثائر ثورة البحر،
مضيع، وكأني بغير هدف.
الناس جميعا يتطلعون إلى هدف نافع.
68
أنا وحدي عنيد كأني ابن الوحوش.
أنا وحدي غير الآخرين.
69
وأنا الذي أمجد الأم المرضع.
20
تكشف الطريق
علامات الفضيلة العظيمة
تنبثق عن «الطريق» وحده.
70
الشيء الذي يسمى بالطريق (تاو)
ينزلق، ويفلت من القياس
ينزلق، ويفلت
ولكن الصور كلها كامنة فيه.
ينزلق، ويفلت
ولكن الكائنات جميعا مستسرة فيه.
مظلم وعسكر
ولكن بذور الحياة
71
كامنة فيه.
بذور الحياة هي الحقيقة
والصدق كامن فيها.
من أقدم العهود إلى اليوم
لم يتوقف اسمه.
72
حتى نرى من خلاله أب الأشياء جميعا.
73
ومن أين لي أن أعرف أب الأشياء جميعا؟
عن طريق هذا.
74
21
عدم جدوى السعي
المعوج سوف يستقيم،
والمنحني سوف يعتدل،
والأجوف سوف يمتلئ،
والممزق سوف يتجدد.
بالقليل سوف تنال،
وبالكثير سوف يضيق صدرك.
75
لذلك فإن الحكيم (أو القديس)
يحيط بالواحد،
ويصبح نموذجا للعالم (أو يصبح مقياس المملكة)؛
لأنه لا يكشف عن نفسه
فهو متجل.
لأنه لا يعطي الحق لنفسه
يعترف به.
لأنه لا يدعي
يثق الناس به.
لأنه لا يمجد نفسه
يمجده الناس.
ولأنه لا يسعى إلى شيء
لذلك لا يسعى أحد بشيء ضده.
76
عندما قال القدماء: «المعوج سوف يستقيم».
77
لم تكن تلك كلمات فارغة!
78
ألا فلنعد إلى الصواب الحق.
22
الاتحاد بالطريق
لا تتكلم إلا نادرا؛
فهذه هي إرادة الطبيعة.
حقا،
الإعصار لا يدوم صباحا بأكمله.
المطر لا يتساقط اليوم بطوله،
ولكن من الذي يفعل هذا؟ السماء والأرض.
79
وإذا كانت السماء والأرض
لا تستطيعان أن تمنحا الدوام
فما أقل نصيب الإنسان منه!
حقا،
من يتبع الطريق في أعماله
يصبح هو والطريق شيئا واحدا.
من يهتدي بالفضيلة
80
يصبح هو والفضيلة شيئا واحدا،
ومن يضيع الطريق
يصبح هو والضياع شيئا واحدا.
عندما يتحد إنسان مع الطريق، فكذلك يفرح به الطريق.
عندما يتحد إنسان مع الفضيلة، فكذلك تفرح به الفضيلة.
عندما يتحد إنسان مع الضياع، فكذلك يفرح الضياع
بأنه يكسبه إلى جانبه.
ومن لا يثق بالناس ثقة كافية
لن يجد أحدا يثق به.
23
من يملك الطريق
من يقف على أطراف أصابعه لا يتماسك.
من يوسع بين ركبتيه، لا يسير.
من يرى نفسه لا يتجلى (بنور المعرفة).
81
من يعطي نفسه الحق لا يعترف به!
من يدعي لا يثق به أحد!
من يغتر بنفسه! لا يعلو في نظر الناس.
82
معنى هذا في لغة «الطريق»:
الكثير من الطعام والأبهة
تسئم المخلوقات.
حقا،
من يملك الطريق! لا يتلبث عنده.
83
24
النماذج الأربعة الأبدية
قبل أن تكون السماء والأرض
كان هناك كائن عديم الشكل،
بلا صوت، وبلا مكان،
84
صامت، مفارق
وحيد، لا يتغير
85
يدور دورة أبدية بغير أن يتعرض للخطر،
تستطيع أن تعده أم الأشياء جميعا تحت السماء.
أنا لا أعرف اسمه،
وأخاطبه بقولي «الطريق» (تاو) حتى يكون له اسم.
فإذا اجتهدت في تسميته
قلت: العظمة.
العظمة معناها أن تفقد نفسك.
أن تفقد نفسك معناه أن تبتعد.
أن تبتعد معناه أن تعود لنقطة البداية.
حقا،
إن الطريق عظيم، وعظيمة هي السماء
عظيمة هي الأرض، وعظيم هو الملك!
أولئك هم الأربعة الكبار في الكون،
والإنسان أحدهم.
الإنسان يتخذ الأرض قانونا له
86
والأرض تتخذ السماء قانونا لها
والسماء تتخذ الطريق قانونا لها
والطريق يتخذ قانونه من نفسه.
87
25
الثقيل والخفيف
الثقيل
88
جذر الخفيف.
الساكن سيد المتعجل.
89
من أجل هذا
يسافر الحكيم اليوم كله،
ومع ذلك لا يغادر عربته (الثقيلة).
تحوطه نظرات (الإعجاب) البراقة.
ومع ذلك يظل في مكانه، متزنا، هادئا.
كيف يستطيع إذن من يتحكم في عشرة آلاف عربة حربية
أن يأخذ المملكة لذاتها مأخذا خفيفا؟
90
إن هو أخذها بخفة فقد الجذر و(الأساس)،
وإن تهور في طيش، أضاع السيادة.
91
26
سرقة النور
العداء الجيد لا يترك أثرا وراءه.
92
المحدث الجيد لا يزل لسانه
الحاسب الجيد لا يحتاج إلى عصا الحساب.
93
الباب المغلق جيدا لا يحتاج إلى قفل ولا مزلاج
ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يفتحه.
العقدة المعقودة جيدا لا تحتاج إلى رباط
ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يفكها.
من أجل ذلك يفهم الحكيم دائما كيف يساعد الناس،
ولذلك لا يوجد إنسان ينبذه.
94
إنه يفهم كيف يساعد الكائنات،
ولهذا لا يوجد ثمة كائن ينفر منه.
هذا ما يسمونه سرقة النور.
95
حقا، الطيب هو معلم الشرير.
96
والشرير هو رصيد الطيب.
من لا يكرم معلمه،
ولا يحفظ رصيده
إنسان ضل إلى أبعد حد
على الرغم من أنه قد يكون عالما.
ذلك هو السر المهم.
27
الرجولة والأنوثة
اعرفوا رجولتكم،
احتفظوا بأنوثتكم!
بذلك تكونون منبعا لمملكة الأرض.
من كان منبعا لمملكة الأرض
لم تتخل عنه الفضيلة الأبدية،
إلى الطفولة يعود من جديد.
اعرفوا نوركم،
97
احتفظوا بظلامكم
98
بذلك تكونون مقياسا
99
لمملكة الأرض.
من كان مقياسا لمملكة الأرض
لم تخطئه الفضيلة الأبدية
إلى غير المحدود
100
يعود من جديد
اعرفوا كرامتكم
101
احتفظوا بعاركم!
بذلك تكونون واديا لمملكة الأرض.
من كان واديا لمملكة الأرض
فلديه ما يكفيه من الفضيلة الأبدية،
إلى البسيط والطبيعي يعود من جديد.
102
عندما يقطع الإنسان الخشب غير المصقول
تصنع منه الأدوات.
103
وعندما يستخدمها الحكيم
104
يصبح مديرا للموظفين (والقضاة).
حقا،
إن النسق العظيم غير مصقول.
105
28
تحذير من التدخل
من الناس من يريد أن يغزو العالم،
وأن يعمل منه (ما يتصوره أو تشتهيه نفسه)
أنا أتنبأ، بأنهم لن يفلحوا في ذلك (ذلك) لأن العالم هو وعاء الله،
106
لا يجوز أن يعمل فيه شيء.
من يلامسه بالعمل يفسده
107
من يتمسك به يفقده.
حقا، إن الكائنات تسير أحيانا في المقدمة،
وأحيانا في المؤخرة،
تارة تكون أنفاسها حارة،
وتارة باردة،
تارة تكون قوية
ثم لا تلبث أن تضعف،
تارة تتهشم وتارة تتداعى؛
لذلك يتجنب الحكيم التطرف
108
يتجنب التهور،
يتجنب الخيلاء.
29
تحذير من الالتجاء إلى القوة
الذي يستعين بالطريق (التاو) لكي يعاون الحاكم في حكمه للبشر
لن (يفكر في أن) يهزم المملكة بقوة السلاح
109
لأن مثل هذه القوة لا بد أن تعود فتنقلب عليه.
110
حيث تكون الجيوش
تنمو الأشواك والأحراش،
وبعد المعركة العظيمة
تأتي السنون العجاف؛
111
لذلك يصل القائد الجيد إلى هدفه ثم يتوقف
إنه لا يتجاسر على الاعتماد على قوة السلاح
يصل إلى هدفه ولكن لا يمجد نفسه،
يصل إلى هدفه ولكن لا يدعي أو يكابر ،
يصل إلى هدفه ولكن لا يفاخر،
يصل إلى هدفه ولكن مدفوعا بالضرورة المؤسفة
يصل إلى هدفه ولكن لا يلجأ إلى القوة.
ذلك لأن الكائنات تهرم حين تصل إلى ذروتها،
وذلك ما يقولونه عنه: إنه يخالف الطريق
وكل من يخالف الطريق سوف ينتهي ولما يزل في شبابه.
30
أسلحة الشر
من كل الأشياء، الأسلحة هي أدوات الشر
112
مكروهة من الكائنات؛
لذلك فإن الحكيم (الذي يسير على الطريق)
لا يسكن قريبا منها.
إن وجد النبيل
113
نفسه في بيته
فهو يفضل اليسرى
وإن استخدم السلاح
فضل اليمنى.
114
الأسلحة هي أدوات الشر
ليست أدوات الرجل النبيل
إنه لا يلجأ إليها إلا مضطرا
وداعة السلام مثله الأعلى
115
إذا انتصر لم يجد في الانتصار جمالا؛
لأن من يجده جميلا
يفرح بقتل غيره من البشر،
ومن يفرح بقتل غيره من البشر
لا يصح أن يفرض إرادته على المملكة.
116
عندما يقتل الناس جماعات
يندبونهم في يأس وحزن
ومن ينتصر في المعركة
فعليه أن يحتفل بانتصاره كما يحتفل بجنازة.
31
الطريق كالبحر
الطريق أبدي،
117
لا اسم له.
وبساطة (ما لا اسم له)
مهما تكن ضآلتها
لا تجرؤ مملكة الأرض
على أن تسخرها لخدمتها.
118
لو يستطيع الأمراء والملوك أن يحتفظوا بهذا
119
لجاءت الكائنات العشرة آلاف ضيوفا بمشيئتها
120
ولاتحدت السماء والأرض؛
لترسلا «عليهم» الندى العذب،
121
ولأصبح الشعب متحدا
بغير حاجة إلى الأوامر.
من الخير
بعد أن وجدت السماء
122
أن نعرف الحد الذي نتوقف عنده.
من عرف الحد الذي يتوقف عنده
عاش في أمان
إن أردت أن تجد شبيها
للطريق في هذا العالم
فهو يشبه الجدول، يشبه نهر الوادي
الذي يسيل البحر.
32
معرفة النفس
من يعرف غيره من الناس فهو عالم،
123
ومن يعرف نفسه فهو حكيم.
124
من ينتصر على غيره من الناس يملك قوة العضل
ومن ينتصر على نفسه فهو قوي.
125
من يعرف القناعة فهو غني،
ومن يلجأ إلى القوة، فعنده الإرادة.
من لا يفقد مكانه، يبقى.
126
من يموت، بدون أن يفنى
يعمر طويلا.
33
الطريق يتدفق في كل مكان
الطريق العظيم يسيل في كل مكان.
127
بحيث يجري (كالطوفان) إلى اليمين وإلى الشمال.
الكائنات العشرة آلاف تستمد حياتها منه،
وهو لا يمتنع عليهما.
128
إنه يعمل
ولكن لا يتشبث بعمله.
129
إنه يكسو ويغذي جميع الكائنات
ولكن لا يسود عليها
ولا يسألها شيئا.
ولأنه مجرد من الشهوة أبدا
يمكن أن يسمى بالصغير،
ولكن لما كان هو وطن جميع الأشياء
بغير أن يطمح إلى امتلاك شيء منها
فإن من الممكن أن يسمى بالعظيم.
كذلك الحكيم
لأنه لا يعد نفسه عظيما
يصل إلى العظمة.
34
سلام «التاو»
إن وضعت يديك على النموذج العظيم.
130
صارت مملكة الأرض طوع يديك،
تبعت «ظلك» وتحررت من الضر والألم، «وعاشت في» وحدة، وسلام، ومساواة!
نغم الموسيقى وشذى الأطعمة
تجذب الغرباء المسافرين.
أما ما يقدمه الطريق من الكلام
فلا يفوح منه عبير،
ولا يستطيب مذاقه فم.
من يتطلع إليه لا يراه،
من ينصت إليه، لا يسمعه،
من يستعمله، لا يصل أبدا إلى قراره.
131
35
إيقاع الحياة
من أردت أن تغلبه
وجب عليك أولا أن تمنحه الغلبة.
132
من أردت أن تضعفه
وجب عليك أولا أن تعطيه القوة.
من أردت أن تهينه
133
وجب عليك أن تعلي من قدره.
ومن أردت أن تأخذ منه
وجب عليك أولا أن تعطيه.
هذا ما يسمى بالتجلي اللطيف:
134
اللين الضعيف
يهزم الصلب القوي.
الوداعة تغلب القوة.
الأسماك ينبغي أن تترك في المياه العميقة
وأسلحة الدولة الحادة
ينبغي أن تترك
حيث لا يراها أحد.
135
36
سلام العالم
الطريق (التاو) لا يعمل أبدا،
ولكن كل شيء يعمل من خلاله.
لو استطاع الأمراء والملوك أن يحافظوا عليه
لتحسنت من نفسها أحوال العالم.
136
ولكن لو تحسن العالم واشتهى أن يعمل
وجب علينا أن نقفه عند حده
137
عن طريق البساطة القديمة التي لا اسم لها.
البساطة القديمة التي لا اسم لها
138
تحرر من الاشتهاء
والتحرر من الاشتهاء يؤدي إلى السكينة «وبالسكينة» يصل العالم من نفسه إلى السلام.
139
الكتاب الثاني
37
السقوط
أسمى الفضائل
1
لا تعرف شيئا عن الفضيلة
من أجل هذا توجد الفضيلة.
أدنى الفضائل تتشبث بالفضيلة
من أجل هذا تفتقد الفضيلة.
أسمى الفضائل لا تعمل أبدا
وليس لديها هدف تعمل من أجله.
أدنى الفضائل تعمل
ولها كذلك هدف تعمل من أجله.
أسمى درجات الإنسانية تعمل
ولكن ليس لديها هدف تعمل من أجله.
أسمى درجات العدالة تعمل
ولكن لها هدفا، تعمل من أجله
أسمى درجات التأدب والخلق
2
تعمل
وإذا لم يستجب لها أحد
شمرت عن أكمامها وفرضت نفسها على الغير.
حقا،
من يفقد الطريق (التاو)،
3
يصبح بعد ذلك فاضلا.
من يفقد الفضيلة
يصبح بعدها عادلا،
من يفقد الخلق
يصبح بعدها عليما بالشعائر والطقوس.
والعلم بالشعائر والطقوس
هو قشرة الأمانة والوفاء،
4
ومبدأ الشقاق.
قد يكون التنبؤ
هو زهرة الطريق
ولكنه هو أصل الحماقة،
لذلك فالرجل العظيم، الناضج
5
يعتمد على الجذع القوي
ويترك الفرع الذابل،
يأخذ بالثمرة
ولا يأخذ بالزهرة
حقا،
دع ذلك! وخذ بهذا!
6
38
الواحد
القدماء امتلكوا الواحد،
7
السماء امتلكت الواحد
فصفت.
الأرض امتلكت الواحد
فسكنت.
8
الأرواح امتلكت الواحد
فوهبت لها النفس.
9
وديان الأنهار أعطيت الوحدة
فامتلأت.
الكائنات العشرة آلاف امتلكت الواحد
فعاشت ونمت.
الأمير والملك امتلكا الواحد
فبسطا على مملكة الأرض النظام.
10
الذي فعل هذا، هو الواحد.
لو افتقدت السماء ما تصفو به
لانشقت.
لو افتقرت الأرض إلى ما تسكن
11
به
لزلزلت.
لو أعوز الأرواح، ما ينفخ فيها النفس
لتحللت.
لو لم تجد الوديان ما تمتلئ به
لتلاشت.
لو لم تجد الكائنات العشرة آلاف ما يحييها
لفسدت.
لو افتقد الأمير والملك من يكرمهما ويرفع من شأنهما
لانهار حكمهما.
حقا.
الشرف جذره الاتضاع
الارتفاع كعبة الضعة.
12
من أجل هذا يدعو الأمراء والملوك أنفسهم
باليتامى، والعجزة، والفقراء.
13
أليس هذا لأنهم يتخذون من الاتضاع جذرا لهم؟
14
حقا،
من يبالغ في الترفع
لا يرتفع إلا قليلا.
15
لا تشته أن تبرق كالجوهرة
ولا أن ترن كالحجر الرنان!
39
مبدأ العود
العود فعل الطريق
الوداعة تأثيره
من الوجود تأتي أشياء هذا العالم
16
والوجود يأتي من عدم الوجود.
40
أخلاق الطاوي
عندما يسمع معلم من درجة عالية بالطريق
فهو يحاول أن يسير على هداه.
17
عندما يسمع معلم من درجة متوسطة بالطريق
فهو يسير عليه مرة ويتخلى عنه مرة.
عندما يسمع معلم من درجة دنيئة بالطريق
فهو يضحك عليه بغير صوت مسموع.
18
ولو لم يضحك أحد على الطريق
لما كان خليقا بأن يكون هو الطريق.
من أجل هذا تقول الكلمات المأثورة:
إضاءة الطريق تشبه الظلام،
السبق على الطريق يبدو كالتراجع إلى الوراء.
تسوية الطريق تبدو أشبه بعدم الاستواء.
أسمى الفضائل تشبه الوادي.
19
أعظم المجد أشبه بالعار،
أوسع الفضائل تبدو ضيقة.
أشد الفضائل ثباتا تحسب نفسها غير ظاهرة.
الحقيقة الكاملة تبدو كأنها في زوال،
المربع العظيم يخلو من الزوايا.
20
الجهاز العظيم يتم في وقت متأخر.
الإناء العظيم نادرا ما يكون له رنين.
21
الصورة العظيمة لا شكل لها.
الطريق يتخفى ولا اسم له
طوبى! الطريق وحده يمنح القوة والكمال.
41
الطريق أوجد الوحدة.
الوحدة أوجدت الثنائية.
الثنائية أوجدت التثليث.
22
التثليث أوجدت الكائنات العشرة آلاف.
الكائنات العشرة آلاف تحمل «ين» المعتم على ظهورها «كما تحمل» «يانج» المضيء بين ذراعيها.
23
نفس الخلاء يؤلف بينها.
ما يكرهه البشر
هو اليتم، والقلة، والعجز
ومع ذلك فإن الملك والأمير يسميان نفسيهما بهذه الأسماء.
حقا، إن الكائنات:
24
من الناس من يقلل منها فتتكاثر،
ومن الناس من يكثر منها، فتقل.
ما يعلمه الناس
أعلمه أنا أيضا.
المتجبر لا يموت ميتة طيبة.
هذا ما نريد أن نجعل منه معلمنا الروحي.
42
أشد المواد ليونة
أشد المواد ليونة
يلحق في السباق بأشدها صلابة،
وما ليس له وجود
ينفذ في ما لا ثغرة فيه.
25
من ذلك نعلم
فضل عدم الفعل.
26
أن تعلم بغير أن تتكلم.
أن تزداد بغير أن تفعل.
شيء يندر أن يصل إليه الإنسان
في هذا العالم.
43
كن قنوعا
المجد أو الجسد أيهما أقرب إليك؟
الجسد أو المتاع أيهما أكثر قيمة من صاحبه؟
الكسب أو الخسارة أيهما أعظم شرا؟
من أجل هذا
من يحب كثيرا، يعطي كثيرا.
من يخزن الكثير، يفقد الكثير.
من يعرف القناعة، لا يلحقه عار.
من يعرف متى ينبغي عليه أن يتوقف
لا يتعرض لأذى .
إنه يستطيع أن يعمر طويلا .
27
44
السكون
أعظم الأشياء حظا من الكمال يبدو متصدعا،
غير أن الاستعمال لا يناله بالبلى.
أكثر الأشياء امتلاء يبدو فارغا،
غير أنه بالاستعمال لا ينفد عطاؤه.
أشد الطرق استقامة يبدو كالمعوج.
أعظم الناس ذكاء يبدو كالغبي،
أفصح الناس يتهته كالأبكم.
بالاندفاع تغلب البرودة،
بالسكون تغلب الحرارة.
بالطهارة والسكينة
تجعل مملكة الأرض عادلة.
28
45
خيول السباق
عندما تسير مملكة الأرض على هدى الطريق
تستخدم خيول السباق في حمل السباخ.
29
وعندما تضل مملكة الأرض عن الطريق
تربي خيول الحرب نفسها في ضاحية المدينة.
30
ما من ذنب أعظم
من أن يستسلم المرء لشهواته.
ما من شر أكبر
من أن يجهل الإنسان القناعة.
ما من عيب أخطر
من أن يسعى الإنسان إلى الكسب.
حقا،
من وجد الكفاية فيما يكفيه
فسوف يجد على الدوام ما يكفيه.
31
46
السعي وراء المعرفة
بغير أن تغادر باب بيتك
تستطيع أن تعرف كل شيء تحت السماء.
بغير أن تتطلع من نافذتك
تستطيع أن ترى طريق السماء.
كلما ازداد سعينا إلى المعرفة
قلت معرفتنا.
لذلك يصل الحكيم، بغير أن يسافر بعيدا
ويفهم دون أن ينظر،
ويحقق كل شيء
بدون أن يعمل شيئا.
47
اغز العالم بدون أن تعمل
اسع إلى المعرفة
تزدد يوما بعد يوم.
32
اسع إلى الطريق
تفقد يوما بعد يوم.
أن تفقد وتفقد.
33
حتى تبلغ عدم-الفعل.
ابق بغير عمل
ولن تجد شيئا لم يعمل.
إن أردت أن تملك المملكة
فكن على الدوام بلا عمل!
لأن من يعمل
يعجز عن امتلاك المملكة.
34
48
قلب الشعب
الحكيم ليس له قلب يختص به،
بل يعد قلب الشعب قلبه. «أنا خير مع الأخيار
ومع الأشرار أيضا خير»
بذلك يتلقى الخير. «أنا أصدق الصادقين
والكاذبين أيضا أصدقهم.»
بذلك أتلقى الثقة.
الحكيم يقيم في المملكة والخوف يملأ قلبه.
من أجل المملكة يبلد حسه.
الأجناس المائة تسدد أبصارها وأسماعها إليه.
وهو يلقى الجميع وكأنهم أطفاله.
35
49
الخروج حياة، الدخول موت.
36
رفاق الحياة ثلاثة عشر.
رفاق الموت ثلاثة عشر.
37
المواضع المميتة في إثارة الحياة لدى الإنسان
هي كذلك ثلاثة عشر.
38
من أين يأتي هذا؟
من أنه يحيا حياته في عنف وامتلاء.
39
ذلك أنني سمعت:
أن من يعرف كيف يحافظ على حياته
يجوب الريف ولا يلتقي بخرتيت ولا نمر،
يدخل المعركة ولا يحمل درعا ولا سلاحا،
لا يجد الخرتيت الذي يغرز قرنه فيه.
40
لا يجد النمر الذي ينشب مخالبه فيه،
لا يجد السلاح الذي ينفذ حده فيه.
ومن أين يأتي هذا؟
من أنه وراء الموت.
41
50
الفضيلة الصوفية
الطريق يلد،
الفضيلة ترعى،
الكائنات تشكل،
القوة تتم.
42
لذلك فليس من بين الكائنات العشرة آلاف
من لا يحترم الطريق، ويكرم الفضيلة.
ما من أحد قد أمر بهذا
أبدا يحدث هذا من تلقاء نفسه.
حقا،
الطريق يلدها،
43
الفصيلة ترعاها،
تدبر أمرها وتعنى بها،
تزيد منها وتدعمها،
تغذيها وتحميها.
أن تلد،
44
ولا تملك،
أن تفعل ولا تعول على فعلك،
أن تدبر ولا تسود،
هذا ما يسمى بالفضيلة الصوفية.
51
سرقة المطلق
مملكة الأرض لها مبدأ:
يمكن أن ندعوه أم مملكة الأرض
من وجد أمه يوما
عرف أنه ابنها.
من عرف يوما أنه ابن
تفانى في حرصه على الأم،
وإذا أسقط جسده، صار في مأمن من الخطر.
45
من سد سكته
وأوصد بواباته
لم يشق بجسده إلى نهاية الحياة.
46
من فتح سكته،
ورعى أعماله
لم ينج جسده إلى آخر الحياة.
رؤية أصغر الأشياء هي التجلي.
المحافظة على الوادعة هي القوة.
من يستعمل نوره
لكي يهتدي إلى التجلي
فهو لا يخسر شيئا، وإن أصاب الشر جسده.
47
هذا ما يدعونه
الاتصال بالأبدي.
48
52
الموظفون وقطاع الطريق
لو كنت أملك المعرفة القليلة.
49
وسرت على الطريق العظيم،
لما خفت شيئا
كخوفي من أن أحيد عن الطريق.
لأن الطريق العظيم معبد ومأمون
لكن الناس يؤثرون الطرق الجانبية.
البلاط
50
يعج بالأبهة
بينما الحقول تملؤها الأعشاب الضارة.
مخازن الغلال فارغة،
والموظفون يتدثرون بالثياب الزاهية،
ويتحزمون بالسيوف الغالية،
ويتخمون بطونهم بالطعام والشراب،
ولديهم من الثروة والمتاع ما يفيض عن حاجتهم.
هذا معناه تجبر قطاع الطريق
لا يمكن أن يكون هذا الطريق!
51
53
الفرد والدولة
ما يزرع زرعا حسنا، لا يجتث ،
52
ما يقبض عليه قبضة ثابتة لا يفلت.
53
هكذا تتصل الأضحية من الولد إلى الحفيد
بغير انقطاع.
54
ارع «هذه الفضيلة» في نفسك،
وسوف تكون فضيلة حقة.
ارع «هذه الفضيلة» في بيتك،
55
وسوف تعم فضيلتك.
ارع «هذه الفضيلة» في موطنك
56
وسوف تترعرع وتنمو.
57
ارع «هذه الفضيلة» في سائر المملكة
وسوف تزدهر فضيلتك.
58
ارع «هذه الفضيلة» في العالم
59
وسوف تشمل الجميع على السواء.
60
حقا،
61
بنفسه يحكم المرء على نفوس الآخرين؛
62
ببيته يحكم المرء على البيوت،
بموطنه يحكم المرء على المواطن،
ببلده يحكم المرء على البلاد،
بالمملكة يحكم المرء على مملكة الأرض.
ومن أين نعرف أن مملكة الأرض كذلك؟
عن هذا الطريق.
54
أخلاق الطفل
كمال من يجمع الفضيلة في نفسه.
63
أشبه بكمال طفل حديث الولادة.
النحل، والعقارب، والحيات لا تلدغه؛
64
الوحوش لا تعتدي عليه.
الطيور الجارحة لا تنقض عليه.
65
عظامه لينة، وأوتاره ضعيفة
ومع ذلك فقبضته قوية.
لم يعرف شيئا بعد عن اتحاد الذكر والأنثى
ومع ذلك فإن أعضاءه تامة التكوين.
66
تلك هي ذروة طاقة البذور.
67
يصيح طول اليوم
ومع ذلك لا يبح صوته،
تلك هي قمة الانسجام الطبيعي.
معرفة الانسجام معناها أن تكون أبديا.
أن تكون أبديا معناه أن تكون متجليا.
68
أما أن تزيد
69
من الحياة فمعناه: أن تجلب نذر الشر.
أن تنظم التنفس عن شعور واع معناه أن تشتهي القوة. «ذلك أن» الكائنات تهرم
حين تبلغ ذروتها.
70
هذا ما يدعونه على خلاف الطريق.
وكل ما كان على خلاف الطريق فسوف ينتهي سريعا.
71
55
وراء الشرف والعار
الذي يعرف لا يتكلم،
الذي يتكلم لا يعرف،
يسد سكته،
يغلق أبوابه،
يفل حده،
يفك عقدته،
يخفف لمعانه،
يجمع رماده.
72
هذا ما يسمى بالوحدة الصوفية.
73
من أجل ذلك فالحكيم
لا يستطيع الحب أو الكره أن يلمسه
ولا النفع أو الضر أن يدركه،
ولا الشرف أو العار أن ينال منه
لذلك فهو أكثر الناس حظا من التكريم في المملكة.
56
فن الحكم
الممالك لا تحكم إلا بالحق
الأسلحة لا تشرع إلا بالباطل
اكسب المملكة عن طريق عدم-الفعل
ومن أين لي أن أعلم أن الأمر كذلك؟
عن هذا السبيل
كلما زاد في المملكة الحظر والتحريم ازداد الشعب فقرا.
كلما زاد عدد الأسلحة الحادة بين الناس
ازداد الاضطراب في بيت الحاكم.
كلما ازداد الناس مكرا ودهاء
ازداد الإخلال بالنظام.
كلما زاد عدد القوانين والتعليمات،
زاد عدد اللصوص وقطاع الطرق.
لذلك يتكلم الحكيم (فيقول):
أنا لا أفعل شيئا، والشعب يتحسن من تلقاء نفسه.
أنا أحب السكينة، والشعب يهتدي بنفسه إلى النظام.
أنا لا أمارس تجارة، والشعب يصبح من نفسه غنيا
أنا لا أشتهي شيئا
والشعب يعود من نفسه إلى الفطرة.
74
57
عندما يكون الحاكم كسولا وضيق الحيلة
يكون الشعب سعيدا وقرير العين.
75
عندما يكون الحاكم نشيطا وحازما،
يكون الشعب بائسا وساخطا.
76
النعمة، آه! تعتمد على سوء الحظ،
سوء الحظ، آه! يقوم على النعمة.
77
من ذا الذي يعرف أين تقع حدود كليهما؟
78
حيث يكون المستقيم دائما إلى جانب المعوج
ويتجاور الخير مع الشر
لا شك أن الإنسانية قد أبعدت في
الضلال.
79
من أجل هذا، كان الحكيم
مربع «الأطراف»
80
بغير أن يكون قاطعا،
ذا زوايا،
81
بغير أن يقطع.
82
مستقيما، بغير أن يتمدد.
83
مشرقا، بغير أن يظهر نوره.
84
58
لأجل أن تحكم الناس،
لأجل أن تخدم السماء،
ما من شيء أفضل من التدبير.
85
طوبى! هذا التدبير معناه أن تقي نفسك.
86
أن تقي نفسك معناه أن تضاعف من الفضيلة.
87
المخزونة
وعندما يضاعف إنسان من الفضيلة المخزونة
لا يوجد شيء، يعجزه أن يقهره
وحين لا يوجد شيء، يعجزه أن يقهره
فإن أحدا لا يعرف حدوده.
ومن لم يعرف أحد حدوده
فهو قادر على أن يحكم البلاد.
88
ولكن من يملك البلاد ويذهب إلى الأم
89
فهو وحده الذي يمكنه أن يبقى إلى الأبد.
هذا
90
ما يسمونه: تعميق الجذور وتثبيت الجذع.
هذا هو طريق الحياة الأبدية
طريق الرؤيا الدائمة.
59
احكم البلد العظيم
كما تقلي الأسماك الصغيرة.
91
من يحكم المملكة
92
وفقا للطريق
سيجد أن الأرواح (الشريرة) تفقد قوتها.
93
الأرواح (الشريرة) لن تفقد قوتها فحسب
بل إنها لن تجرح أحدا من البشر.
94
لن تجرح أحدا من البشر فحسب
بل إن الحكيم كذلك لن يجرح أحدا من البشر.
95
حين لا ينال أحدهم صاحبه بسوء
فإن قواهما (فضيلتهما) ستلتقي على غاية واحدة.
96
60
البلد العظيم والبلد الصغير
البلد العظيم ينبغي أن يكون كالمنخفض الذي تسيل إليه الأنهار،
ينبغي أن يكون كالحوض
97
الذي تلتقي فيه (جميع أشياء) ملكة الأرض،
وأنوثة مملكة الأرض.
98
الأنوثة تغلب أبدا
بسكينتها
99
الرجولة،
وهي في سكينتها السفلى.
100
من أجل هذا:
إذا اتضع
101
البلد العظيم
أمام البلد الصغير،
كسب البلد الصغير.
102
والبلد الصغير
يتضع
103
أمام البلد العظيم
لذلك يكسب البلد العظيم
حقا،
أحدهما (لا بد له أن) يخفض نفسه
لكي يكسب.
الآخر منخفض (بطبيعته)
وبذلك يكسب.
البلد العظيم لا يبتغي شيئا
سوى أن ينظم الناس ويطعمهم.
104
البلد الصغير لا يبتغي شيئا
سوى أن ينضم إلى غيره ويكون في طاعته.
105
مرحى!
لكي ينال كلاهما
ما تبتغي نفسه،
ينبغي على البلد العظيم أن يتضع ويخفض نفسه.
106
61
كنز الطيبين
الطريق مأوى الكائنات العشرة آلاف،
كنز الطيبين،
ملجأ الأشرار
بالكلمات الجميلة
تستطيع أن تبتاع الكرامة،
لكنك لا تتفوق على غيرك
إلا بالفعل الحق.
107 (وحتى الأشرار من الناس
لماذا ننبذهم؟)
حقا،
قد يرفع (يمجد الناس) ابن السماء
أو يعينون الوزراء الثلاثة العظام،
ولو كانوا يحملون لوحات الزمرد في أيديهم
وتتقدم (موكبهم) خيول أربعة،
خير من ذلك أن يجلسوا في سكون
ويتابعوا السير على هذا الطريق.
القدماء كرموا هذا الطريق.
فماذا كان السبب؟
ألم يقولوا:
من يبحث عنه، يجده،
من يكن مذنبا، ينج (إذا سلكه)؟
من أجل هذا كان مكرما
على سائر الأشياء في المملكة.
62
الصعب والسهل
يفعل بغير فعل
يعمل بلا عمل
108
يجد الشذى فيما لا رائحة له
يجعل الصغير كبيرا والقليل كثيرا
يقابل الإساءة بالإحسان
يدبر العسير، وهو لا يزال يسيرا
ينجز العظيم، وهو لا يزال صغيرا
أصعب المشكلات
109
في العالم
ينبغي أن تحل ولما تزل سهلة
110
أعظم الأعمال في العالم
ينبغي أن تتم ولما تزل صغيرة
لذلك فالحكيم
لا يفعل شيئا عظيما
وبذلك يحقق العظمة
مرحى!
من يتعجل يقول نعم،
111
لا يكاد يجد أحدا يثق به،
من يأخذ أمورا كثيرة مأخذا سهلا
يواجه مصاعب جمعه،
من أجل ذلك فالحكيم:
يشق على نفسه
فلا يجد مشقة إلى آخر عمره.
63
البدء والنهاية
ما يخلد إلى السكون، يسهل الاحتفاظ به.
ما لم يتضح بعد، يسهل التحكم فيه،
112
الهش تسهل إذابته،
الدقيق تسهل بعثرته.
دبر الأشياء، قبل أن تخرج إلى الوجود.
تحكم فيها، قبل أن تضطرب.
113
الشجرة الشامخة
نمت من برعم صغير
البرج ذو الأطباق التسعة
ارتفع من كومة تراب
رحلة عشرة آلاف ميل
تبدأ تحت قدمك
من يفعل شيئا، يفسده،
من يتشبث بشيء، يفقده.
114
من أجل ذلك فالحكيم:
لا يفعل؛ ولذلك لا يفسد،
لا يتشبث؛ ولذلك لا يفقد.
أما الشعب فيفسد عمله دائما
وهو على وشك التمام.
تنبه للنهاية كما تنبهت للبداية،
ولن يخيب لك عمل أبدا!
لذلك فالحكيم
يشتهي ألا تكون لديه شهوة،
115
لا يقدر الأشياء التي يصعب الحصول عليها؛
116
يتعلم، ألا يتعلم
117
ينتبه إلى ما لم تلتفت إليه العامة
118
بذلك يعيد الكائنات العشرة آلاف إلى طبيعتها
119
لكنه لا يجسر على الفعل.
64
التجانس العظيم
القدماء الذين عرفوا كيف يهتدون بالطريق (بالتاو)
لم يكن هدفهم تنوير الشعب
بل إبقاؤه جاهلا.
فكلما زاد حظ الشعب من العلم والفطنة
كان عسيرا على الحكم.
الذي يريد أن يحكم بلدا بالعلم
لص يسرق بلده
120
الذي لا يحاول أن يحكم بلدا بالعلم
هو نعمة على الشعب.
الذي يعرف هذين المبدأين
يعرف المعيار الصحيح
ومعرفة المعيار الصحيح
هي الفضيلة الصوفية.
عندما تكون الفضيلة الصوفية نافذة وعميقة
بحيث ترد الأشياء إلى منبعها
عندئذ، وعندئذ فحسب، ينشأ التجانس العظيم.
65
ملوك الوديان
ما الذي يمكن النهر والبحر
من أن يكونا ملكين على الوديان المائة؟
إنهما يحسنان الانخفاض
من أجل هذا يستطيعان
أن يكونا ملكين على الوديان المائة.
لذلك فمن أراد أن يعلو فوق الشعب
خفض له نفسه في كلمته.
121
من أراد أن يتقدم على الشعب
وضع نفسه في المؤخرة!
لذلك فإن الحكيم
يسكن في القمة
بغير أن يرزح فوق صدر الشعب،
ويقود
بغير أن يضر بالشعب
من أجل هذا يسعد كل شيء تحت السماء.
أن يكون هو الذي يدفعه (إلى الأمام) (ولا يتعب منه)
أو يسأم من قيادته.
لأنه لا يسعى إلى شيء
لا يستطيع أحد في المملكة
أن يسعى ضده بشيء.
122
66
الكنوز الثلاثة
كل إنسان في المملكة يقول: طريقي هو الطريق العظيم؛
123
لأنه لا يشبه الطريق المألوف.
مرحى! لأنه عظيم؛
لذلك فهو لا يشبه الطريق المألوف.
ولو أنه كان مألوفا
لفسد من قديم الزمان.
مرحى! أنا أملك كنوزا ثلاثة،
124
أحافظ عليها وأحميها.
الكنز الأول اسمه الرحمة،
الكنز الثاني اسمه الاعتدال،
والكنز الثالث هو ألا تتقدم أو تصدر المملكة.
رحيم،
من أجل هذا وحده أستطيع أن أكون شجاعا،
معتدل،
من أجل هذا وحده أستطيع أن أكون كريما،
والذي يرفض أن يتصدر المملكة
هو القادر حقا على أن يكون سيد الوزراء
125
أما اليوم فالناس شجعان
على حساب الرحمة،
كرام
على حساب الاعتدال،
والذي يتقدم
على حساب المتخلفين
ينتهي إلى الموت!
مرحى،
من يكافح بالرحمة ينتصر،
من يحمي نفسه بها، يعش في أمان.
من تريد السماء له النجاة،
بالرحمة تحميه.
126
67
أشجع الفرسان
أشجع الفرسان لا يتنازع،
أقوى المحاربين لا يغضب،
من يقهر الأعداء لا يتعارك
من يحسن استخدام الناس يضع نفسه في خدمتهم.
هذا ما يسمونه فضيلة البعد عن النزاع،
هذا ما يسمونه القدرة على استخدام الناس،
هذا ما يسمونه سر الزواج مع السماء.
68
هناك كلمة تقال من قديم الزمان عند استخدام
السلاح:
127 «أنا لا أجرؤ على أن أجعل من نفسي
المضيف
بل أجعل من نفسي ضيفا،
128
أنا لا أجرؤ على أن أتقدم مسافة إصبع،
بل أتراجع إلى الوراء بعرض قدم.»
هذا ما يقال له:
أن تسبق دون سبق،
129
أن تثني أكمامك دون ذراع،
أن تقبض يدك بغير أن تمسك بسلاح،
130
أن تهاجم بغير أن يكون لك عدو.
ما من شر أعظم من أن تكون بغير عدو.
131
بغير عدو أستطيع أن أفقد كنزي.
132
حقا،
عندما يشرع اثنان السلاح في وجه بعضهما
فإن من يندب حظه منهما هو المنتصر.
133
69
هم لا يعرفونني
كلماتي
سهلة جدا على الفهم،
سهلة جدا على التنفيذ.
غير أنه ما من أحد في المملكة كلها
يقدر على فهمها،
ما من أحد في المملكة كلها
يقدر على تنفيذها.
كلمتي لها جد (سلف)،
عملي له سيد.
134
لأنه لا أحد يعرفهما
فلا أحد يفهمني
النادرون هم الذين يفهمونني،
والذين يتبعونني، مرموقون.
لذلك فإن الحكيم
يحمل على جسده ثوبا من الشعر
أما في قلبه فيحمل الجوهرة.
135
70
المرض العقلي
الذي يعرف، أنه لا يعرف
هو أرفع الناس شأنا.
الذي يحسب أنه يعرف، وهو لا يعرف
136
مريض بعقله.
سم المرض مرضا
بذلك وحده لا تكون مريضا،
الحكيم ليس مريضا.
إنه يسمي المرض مرضا
من أجل هذا فليس مريضا
الذي لا يعرف؛ يعرف على الحقيقة
والذي يعرف، لا يعرف على الحقيقة
هل تعرفون، أن ما تعدونه معرفة
ليس معرفة في الحقيقة؟
137
71
حين لا يخشى الشعب قوتك
تكون قد بلغت أقصى قوتك.
138
لا تضيق مساكنهم!
139
لا ترهق عيشهم
ما دمت لا تتعبهم
فلن يتعبوا منك.
140
لذلك فإن الحكيم
141
يعرف نفسه
142
ولكن لا يعرض نفسه،
يدخر نفسه
ولكن لا يكرم نفسه.
143
حقا،
ذلك ما يدعه،
هذا ما يأخذه.
144
72
عن العقاب
الشجاعة في الإقدام معناها الموت،
الشجاعة في عدم الإقدام معناها الحياة.
145
من هذين الأمرين
يجلب أحدهما النفع
والآخر الضرر.
من ذا الذي يعرف السبب
الذي من أجله تكره السماء ما تكره؟
146 (لذلك فإن الحكيم أيضا
يرى أن هذه مسألة صعبة).
طريق السماء
لا يتنازع
147
ومع ذلك يحرز النصر،
لا يتكلم،
ومع ذلك يحسن الجواب،
لا ينادي على أحد،
ومع ذلك يلبي الجميع من تلقاء أنفسهم.
وديع هو،
148
ومع ذلك فهو يحسن التدبير
شبكة السماء واسعة،
ثقوبها كبيرة،
ومع ذلك لا يفلت منها شيء.
73
إذا كان الشعب لا يخاف من الموت،
فلماذا إذن نبث فيه الرعب من الموت؟
149
وحتى لو سلمنا
بأن الشعب يخاف حقيقة من الموت
150 (ولا ينظر إليه على أنه شيء يحدث كل يوم)
151
وأن في استطاعتنا أن نقبض على المخلين بالنظام
ونأمر بقتلهم
فمن منا يجسر على أن يفعل ذلك؟
152
دائما ما يكون هناك جلاد، يقوم بهذا العمل.
وأن تجلد بدلا من الجلاد
معناه أن تنجر بدلا من النجار.
ومن ينجر بدلا من النجار
يندر ألا يجرح يده.
74
لماذا يجوع الشعب؟
إذا كان الشعب يجوع،
فلأن الضرائب التي يلتهمها حكامه
تزيد على طاقته.
من أجل هذا وحده يجوع.
إن كان من العسير أن يحكم الشعب،
فلأن حكامه (يتدخلون) بالفعل.
من أجل هذا وحده يكون من العسير أن يحكم.
إن كان الشعب لا يحترم الموت احتراما كافيا،
فلأنه ينساق وراء الحياة.
153
من أجل هذا وحده لا يحترم الموت احتراما كافيا.
حقا،
ألا يكون لديك
ما يجعل الحياة جديرة بالتقدير
خير لك من أن تقدر الحياة.
154
75
اللين والقوي
عندما يولد الإنسان
يكون لينا وضعيفا،
عندما يموت
يكون متصلبا وقويا.
عندما تنمو الكائنات العشرة آلاف
وترتفع الأعشاب والأشجار
تكون لينة وغنية بالعصارة،
ولكنها عندما تموت
تكون ناشفة وجافة.
155
حقا،
المتصلب القوي رفيق الموت،
اللين الضعيف رفيق الحياة.
من أجل هذا
حين تكون الأسلحة قوية لا تحرز النصر،
وحين تكون الأشجار قوية تقتطع.
156
القوي العظيم يهبط إلى المحل الأسفل،
اللين الضعيف يرتفع إلى المحل الأرفع.
76
شد القوس
طريق السماء ما أشبهه بشد القوس!
المرتفع يخفض،
المنخفض يرفع،
الوفير يقل؛
الناقص يرجح في الميزان.
157
كذلك طريق السماء
يقلل الوفير،
ويرجح الناقص.
غير أن طريق البشر مختلف؛
إنهم يأخذون ممن لا يملكون الكفاف،
لكي يعطوه لمن يملكون ما يزيد على حاجتهم.
من يقدر على أن تقديم
ما يزيد على حاجته للمملكة؟
158
إنه ذلك الذي يملك الطريق.
لذلك فالحكيم
يفعل، ولكن لا يعول على فعله،
وإذا أتم الفعل، لم يتلبث عنده،
ذلك لأنه لا يحب أن يظهر تفوقه.
77
لا شيء أرق من الماء
ما من شيء على الأرض ألين ولا أضعف
من الماء،
ومع ذلك فلا يتفوق عليه شيء في التغلب على الصلب والقوي.
عدم الوجود يجعل ذلك سهلا عليه.
الضعيف يهزم القوي،
اللين يهزم الصلب.
لا أحد على الأرض يجهل هذا
لا أحد على الأرض يقوى على أن يتبعه.
159
من أجل هذا يقول الحكيم: «من يتحمل قذارة العالم
فهو سيد المملكة،
160
من يحمل ذنوب العالم.
فهو ملك العالم».
الكلمات المستقيمة تبدو كأنها معوجة.
161
78
معاهدات السلام
عندما (نحاول أن) نهدئ من السخط العظيم
يبقى من السخط ما ليس بقليل.
162
كيف نستطيع على الرغم من ذلك
أن نصلح علاقاتنا بالآخرين؟
163
من أجل هذا يحتفظ الحكيم
بالجانب الأيسر من وثيقة الدين،
164
ولكن لا يلح في طلب شيء من الناس.
الفاضل يلتزم بتسجيل الدين،
المجرد عن الفضيلة يلتزم بالمطالبة به.
165
طريق السماء مجرد عن الهوى
أبدا يعطي من يقف في جانب الخير.
166
79
بلد صغير
بلد صغير، شعب قليل العدد،
167
ولو كانت هناك أدوات (مفعولها) بالعشرات والمئات
168
اجعل الشعب لا يستعملها!
اجعل الشعب يأخذ الموت مأخذا جادا،
169
ولا يهاجر إلى بلاد بعيدة!
حقا إن السفينة هناك والعربة هناك
ولكن ما من هدف (يدعو) إلى ركوبها.
170
حقا، إن الدروع هناك والأسلحة هناك،
ولكن ما من سبب (يدعو) إلى حملها.
171
اجعل الناس كذلك يرجعون
إلى الحبل المعقود
172
ويستخدمونه.
اجعل أطعمتهم شهية،
ثيابهم جميلة،
مساكنهم مطمئنة،
حياتهم فرحة!
البلد المجاور تراه العين من بعيد،
173
الديكة والكلاب تسمعها الأذن،
ولكن الشعب يهرم، ويموت
ولم يقدر له أن يعرف طريق الجيران.
80
طريق السماء
الكلمات الحقة ليست جميلة،
الكليات الجميلة ليست حقة.
الخير لا يجادل
المجادل ليس خيرا.
174
الحكيم في غنى عن الكثير من المعرفة
الذي يعرف كثيرا ليس حكيما.
175
الحكيم لا يخزن لنفسه.
إنه بقدر ما يعيش لغيره
يزداد ثراء،
بقدر ما يعطي الناس
يزداد نصيبه.
طريق السماء
ينفع، بغير أن يضر
176
طريق الحكيم
يعمل، بغير أن يتنازع.
177
مصادر الكتاب
(1)
Lao-Tse: Tao-Tê-King. Das heilige Buch vom weg und von der Tugend. Ubersetzung, Einleitung und Anmerkungen von Gunther Debon. Stuttgart, Reklam, 1961, 142. S. (2)
Arthur Waley: The way and its power. A study of the Tao-Tê-king and its place in Chinese thought. London, George Allen & Unwin, 1949, 262. P. (3)
Lao Tse: Herausgegeben von Lin Yutang. Frankfurt am Main, Fischer Bucherci 1957. 215. S.
بول ماسون-أورسيل، الفلسفة في الشرق. ترجمة محمد يوسف موسى، القاهرة، دار المعارف، 1945م.
صفحه نامشخص