تنزيه القرآن عن المطاعن
تنزيه القرآن عن المطاعن
ژانرها
وربما قيل في قوله تعالى (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) كيف يعرف أنه لم يرسل إلا الرجال فيرجع الى مسألة أهل الذكر؟ وجوابنا أن أهل الذكر والعلم يعلمون أن بعثة الانبياء اذا كانت للمصلحة والدعاء إلى الطاعة فلا بد من أن يكون المبعوث لا نقص فيه ولا عيب ينفر عنه وبين تعالى بقوله (وما خلقنا السماء والأرض وما) (بينهما) لا يحسن أنه خلق ذلك على وجه الحكمة وعرض للثواب العظيم وخلق ما يكون لعبا وهو معنى قوله تعالى (ما خلقناهما إلا بالحق) ومعنى قوله (لو أردنا أن نتخذ لهوا) ثم حقق ذلك بقوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) وقال لمن خالف الحق (ولكم الويل مما تصفون) ثم بين تعالى حال عبادة الملائكة له وخضوعهم وأنهم لا يستكبرون عن عبادته وكل ذلك ترغيب لنا في الطاعة ثم قبح تعالى فعلهم فقال (أم اتخذوا آلهة من الأرض) تبكيتا لهم ثم بين فساد ذلك بقوله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) فبين أنه لو كان يدبرهما آلهة لفسد ما هما عليه بأن يريد أحدهما أن يكون ليلا والآخر نهارا أو يريد أحدهما أن يكون حر والآخر برد فكان التدبير فيهما يفسد وهذا هو دليل علماء التوحيد في أنه لا ثاني لله تعالى قد نبه سبحانه عليه بهذه الكلمات اليسيرة ونزه نفسه عن هذا القول بقوله (فسبحان الله رب العرش عما يصفون) ثم بين تعالى حكمته في فعله لقوله (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) لأن من كل أفعاله حكمة لا يسأل عن فعل وإنما يسأل من في فعله سفه كما أن من في فعله قبح وذلك يبطل قول هؤلاء المجبرة لأنه لو كان كل ظلم وقبح من فعله كان يجب أن يسأل عما يفعل تعالى الله، وبين بقوله (أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم) أن من لا حجة معه فيما يأتيه فهو جاهل وفي ذلك دلالة على فساد التقليد وأن كل قول لا برهان معه لا يصح ثم قال (بل أكثرهم لا يعلمون الحق) فنبه بذلك على ان المحق هو الاقل ثم نبه على بطلان قول النصارى فقال (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) فبين ان منزلة عيسى وسائر الانبياء أنهم مكرمون ومعظمون وأنه منزه عن الولادة ونزه نفسه عن ولادة الملائكة كما كانت العرب تقوله من أنهم بنات الله تعالى فقال (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وبين أنهم (لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) وبين بذلك ان الشفاعة لا تكون إلا لمن ارتضى الطريقة وبين أنهم مع عبادتهم العظيمة يشفقون وكل ذلك ترغيب لنا في العبادة وفي العدول عن الاباطيل من المذاهب وبين تعالى بقوله (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) أن من تكبر وأنزل نفسه عن منزلته فهو معذب عليه وان كل من قال ذلك فهذا سبيله ثم بين تعالى دلالة حدوث الاجسام بقوله (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) وهذا هو دليل علماء التوحيد لأنه إذا لم يخل من الاجتماع والافتراق وهو الرتق والفتق يجب أن يكون محدثا فلو لم يكن في كتاب الله من التنبيه على أدلة التوحيد والعدل وغيرهما الا ما ذكرناه في هذه الآية لكفى وكيف يذهب عن ذلك من يزعم انه ليس في الكتاب التنبيه على علم الكلام ولا في السنن مع الذي ذكرناه ثم بين تعالى عظم نعمه بقوله (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) الآيات وقوله تعالى (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) فنبه بذلك على انه خلق هذه النعم للمكلفين وان تكليفهم منقطع وان مراده تعالى أن يهيئهم لدار أخرى وهي دار الخلود دون هذه الدار فلذلك قال (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) فبين أنه يكلف ثم يميت ثم يجازي.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) أليس يدل ذلك على أن الشر كالخير في أنه من قبل الله تعالى؟
صفحه ۲۶۱