قلنا: ليس الأمر على ما ظنه هذا السائل، لأن الهم في هذه الآية متعلق بما لا يصح أن يتعلق به العزم والإرادة على الحقيقة، لأنه تعالى قال:
(ولقد همت به وهم بها) فتعلق الهم في ظاهر الكلام بذواتهما، والذات الموجودة الباقية لا يصح أن تراد ويعزم عليها، فلا بد من تقدير أمر محذوف يتعلق العزم به مما يرجع إليهما ويختصان به ورجوع الضرب والدفع إليهما كرجوع ركوب الفاحشة فلا ظاهر للكلام يقتضي خلاف ما ذكرناه، ألا ترى أن القائل إذا قال: قد هممت بفلان فظاهر الكلام يقتضي تعلق عزمه وهمه إلى أمر يرجع إلى فلان، وليس بعض الأفعال بذلك أولى من بعض، فقد يجوز أن يريد أنه هم بقصده أو بإكرامه أو بإهانته أو غير ذلك من ضروب الأفعال، على أنه لو كان للكلام ظاهر يقتضي خلاف ما ذكرناه، وإن كنا قد بينا أن الأمر بخلاف ذلك لجاز أن نعدل عنه ونحمله على خلاف الظاهر، للدليل العقلي الدال على تنزيه الأنبياء عليهم السلام عن القبائح.
فإن قيل: الكلام في قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها) خرج مخرجا واحدا. فلم جعلتم همها به متعلقا بالقبح؟ وهمه بها متعلقا بالضرب والدفع على ما ذكرتم؟
قلنا: أما الظاهر، فلا يدل الأمر الذي تعلق به الهم والعزم منهما جميعا، وإنما أثبتنا همها به متعلقا بالقبيح لشهادة الكتاب، والآثار بذلك.
وهى ممن يجوز عليها فعل القبيح، ولم يؤمن دليل ذلك من جوازه عليها كما أمن ذلك فيه (ع)، والموضع إلى يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى:
(وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين) (1) وقوله تعالى: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) (1) وقوله تعالى حاكيا عنها (الآن حصحص الحق أنا راودته عن
صفحه ۷۷