ومن وجوه الهم الشهوة وميل الطباع، لأن الانسان قد يقول فيما يشتهيه ويميل طبعه إليه: ليس هذا من همي وهذا أهم الأشياء إلي. والتجوز باستعمال الهمة مكان الشهوة ظاهر في اللغة. وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري قال: أما همها فكان أخبث الهم، وأما همه (ع) فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء.
فإذا كانت وجوه هذه اللفظة مختلفة متسعة على ما ذكرناه نفينا عن نبي الله ما لا يليق به وهو العزم على القبيح، وأجزنا باقي الوجوه لأن كل واحد منها يليق بحاله.
فإن قيل: فهل يسوغ حمل الهم في الآية على العزم والإرادة؟ ويكون مع ذلك لها وجه صحيح يليق بالنبي (ع)؟.
قلنا: نعم، متى حملنا الهم ههنا على العزم، جاز أن نعلقه بغير القبيح ويجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه، كما يقول القائل: قد كنت هممت بفلان، أي بأن أوقع به ضربا أو مكروها.
تنزيه يوسف عن العزم على المعصية:
فإن قيل: فأي فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى: (لولا أن رأى برهان ربه) والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها؟.
قلنا: يجوز أن يكون لما هم بدفعها وضربها، أراه الله تعالى برهانا على أنه إن أقدم على من هم به أهلكه أهلها وقتلوه، أو أنها تدعي عليه المراودة على القبيح، وتقذفه بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه، فأخبر الله تعالى أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمكروه، أو ظن القبيح به أو اعتقاده فيه.
فإن قيل: هذا الجواب يقضي لفظة (لولا) يتقدمها في ترتيب
صفحه ۷۵