تنزيه إبراهيم عن الاستغفار للكفار:
(مسألة): فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) (1) وكيف يجوز أن يستغفر لكافر أو أن يعده بالاستغفار؟.
(الجواب): قلنا: معنى هذه الآية إن أباه كان وعده بأن يؤمن وأظهر له الإيمان على سبيل النفاق، حتى ظن أنه الخير، فاستغفر له الله تعالى على هذا الظن. فلما تبين له أنه مقيم على كفره رجع عن الاستغفار له وتبرأ منه (2) على ما نطق به القرآن. فكيف يجوز أن يجعل ذلك ذنبا لإبراهيم (ع) وقد عذره الله تعالى في أن استغفاره إنما كان لأجل موعده، وبأنه تبرأ منه لما تبين له منه المقام على عداوة الله تعالى.
فإن قيل: فإن لم تكن هذه الآية دالة على إضافة الذنب إليه، فالآية التي في صورة الممتحنة تدل على ذلك لأنه تعالى قال: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك) (3) فأمر بالتأسي والاقتداء به، إلا في هذا الفعل. وهذا يقتضي أنه قبيح.
قلنا: ليس يجب ما ذكر في السؤال، بل وجه استثناء إبراهيم عليه السلام لأبيه عن جملة ما أمر الله تعالى بالتأسي به فيه، أنه لو أطلق الكلام لأوهم الأمر بالتأسي به في ظاهر الاستغفار من غير علم بوجهه، والموعدة السابقة من أبيه له بالإيمان، وأدى ذلك إلى حسن الاستغفار للكفار. فاستثنى الاستغفار من جملة الكلام لهذا الوجه، ولأنه لم يكن ما أظهره أبوه من الإيمان ووعده به
صفحه ۵۵