تنزيه الأنبياء
تنزيه الأنبياء
عن تكوين الشيء ووجوده كما قال تعالى في الذين مسخهم كونوا قردة خاسئين وإنما خبر عن تكوينهم كذلك من غير أمر ولا دعاء فيكون المعنى على التأويل ثم اجعل على كل جبل منهن جزء فإن الله تعالى يؤلف تلك الأجزاء ويعيد الحياة فيها فيأتينك سعيا وهذا وجه قريب فإن قيل على الوجه الأول كيف يصح أن يدعوها وهي أحياء وظاهر الآية يشهد بخلاف ذلك لأنه تعالى قال ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا وقال عقيب هذا الكلام من غير فصل ثم ادعهن يأتينك سعيا فدل ذلك على أن الدعاء توجه إليهن وهن أجزاء متفرقة قلنا ليس الأمر على ما ذكر في السؤال لأن قوله ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا لا بد من تقدير محذوف بعده وهو فإن الله يؤلفهن ويحييهن ثم ادعهن يأتينك سعيا ولا بد لمن حمل الدعاء لهن في حال التفرق وانتفاء الحياة من تقدير في الكلام عقيب قوله ثم ادعهن لأنا نعلم أن تلك الأجزاء والأعضاء لا تأتي عقيب الدعاء بلا فصل ولا بد من أن يقدر في الكلام عقيب قوله ثم ادعهن فإن الله تعالى يؤلفهن ويحييهن فيأتينك سعيا فأما أبو مسلم الأصفهاني ففرارا من هذا السؤال حمل الكلام على وجه ظاهر الفساد لأنه قال إن الله تعالى أمر إبراهيم (ع) بأن يأخذ أربعة من الطيور ويجعل على كل جبل طيرا وعبر بالجزء عن واحد من الأربعة ثم أمره بأن يدعوهن وهن أحياء من غير إماتة تقدمت ولا تفرق من الأعضاء ويمرنهن على الاستجابة لدعائه والمجيء إليه في كل وقت يدعوها فيه ونبهه بذلك على أنه تعالى إذا أراد إحياء الموتى وحشرهم أتوه من الجهات كلها مستجيبين وغير ممتنعين كما تأتي هذه الطيور بالتمرين والتعويد وهذا الجواب ليس بشيء لأن إبراهيم (ع) إنما سأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى وليس في مجيء الطيور وهي أحياء بالعادة والتمرين دلالة على ما سأل عنه ولا حجة فيه وإنما يكون في ذلك بيان المسألة إذا كان على الوجه الذي ذكرناه فإن قيل إذا كان إنما أمر بدعائهن بعد حال التأليف
صفحه ۳۲