تعالى: (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما) (1) وقال تعالى في موضع آخر: (فأخرجهما مما كانا فيه) (2)؟.
قلنا: نفس الاخراج من الجنة لا يكون عقابا، لأن سلب اللذات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة. وكذلك نزع اللباس وإبداء السوأة. فلو كانت هذه الأمور مما يجوز أن تكون عقابا ويجوز أن يكون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلى غيره، بدلالة أن العقاب لا يجوز أن يستحقه الأنبياء عليهم السلام. فإذا فعلنا ذلك فيما يجوز أن يكون واقعا على سبيل العقوبة، فهو أولى فيما لا يجوز أن يكون كذلك، فإن قيل فما وجه ذلك إن لم تكن عقوبة؟.
قلنا: لا يمتنع إن يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم عليه السلام في الجنة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة، فمتى تناول منها تغيرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة. وكذلك القول في سلب اللباس حتى يكون نزعه بعد التناول من الشجرة هو المصلحة كما كانت المصلحة في تبقيته قبل ذلك، وإنما وصف إبليس بأنه مخرج لهما من الجنة من حيث وسوس إليهما وزين عندهما الفعل الذي يكون عنده الاخراج، وإن لم يكن على سبيل الجزاء عليه لكنه يتعلق به تعلق الشرط في مصلحته، وكذلك وصف بأنه مبدئ لسوأتهما من حيث أغواهما، حتى أقدما على ما سبق في علم الله تعالى بأن اللباس معه ينزع عنهما، ولا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم عليه السلام صغيرة لا يستحق بها العقاب من مثل هذا التأويل، وكيف يجوز أن يعاقب الله تعالى نبيه بالاخراج من الجنة أو غيره من العقاب، والعقاب لا بد من أن يكون مقرونا بالاستخفاف والإهانة، وكيف يكون من تعبدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل
صفحه ۲۸