ندب إليه، فقد خاب لا محالة، من حيث أنه لم يصر إلى الثواب الذي كان يستحق بالامتناع، ولا شبهة في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة. قال الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما فإن قيل: كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية؟ أوليس هذا يوجب أن توصف الأنبياء (ع) بأنهم عصاة في كل حال، وأنهم لا ينفكون من المعصية لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب؟
قلنا: وصف تارك الندب بأنه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدى به عن موضعه. ولو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح وتارك الأولى والأفضل، ولم يجز إطلاقه أيضا في الأنبياء (ع) إلا مع التقييد لأن استعماله قد كثر في القبائح، فإطلاقه بغير تقييد موهم، لكنا نقول: إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبايح فلا يجوز ذلك، وإن أردت أنهم تركوا ما لو فعلوه استحقوا الثواب وكان أولى فهم كذلك. فإن قيل:
فأي معنى لقوله تعالى: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) (1) وأي معنى لقوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) (2) فكيف تقبل توبة من لم يذنب؟ أم كيف يتوب من لم يفعل القبيح؟
قلنا: أما التوبة في اللغة: الرجوع، ويستعمل في واحد منا وفي القديم تعالى. والثاني أن التوبة عندنا وعلى أصولنا فغير موجبة لا سقاط العقاب، وإنما يسقط الله تعالى العقاب عندها تفضلا، والذي توجبه التوبة وتؤثره هو استحقاق الثواب، فقبولها على هذا الوجه إنما هو ضمان الثواب عليها. فمعنى قوله تعالى: (تاب عليه) أنه قبل توبته وضمن له ثوابها،
صفحه ۲۵