Tanshi’at Al-Tifl wa Souboul Al-Walidain fi Mu’amalatihi wa Muwajahat Mushkilatihi
تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته
ناشر
دار الفكر العربى
ژانرها
مقدمة
...
داخل أبناء المجتمع معنى الانتماء ومفهوم الولاء، أي ينتمى كل فرد لمجتمعه، ويستشعر الولاء له.
إن أداء الواجب ينبع من انتماء الفرد لجماعة صغيرة، ثم انتمائه لجماعة أكبر فأكبر حتى يشمل الوطن كله. بهذا تتقدم الشعوب والدول والأمم. والتنشئة هي المسئولة عن تعليم الطفل وتدريبه على أداء الواجبات، والانتماء شديد الصلة بالولاء، وكلاهما مشبع بالحب، وما أجمل أن يحب الطفل أسرته ومدرسته ومدينته ووطنه ... والبشريةكلها.
ويتم إدماج الأطفال في المجتمع وفق عملية التنشئة الاجتماعية، التي إطارها الأول الوالدان داخل الأسرة، ويأتي بعد ذلك دور العديد من وكالات التنشئة التي تساهم أيضا مع الأسرة في إكساب الأطفال نسق المعايير الأخلاقية التي تنظم العلاقات بين الفرد وأفراد المجتمع، وبذلك يصبح لدى الطفل أدوات فعالة أولية تساعد على الاندماج في الجماعات المتعددة عبر مراحل نموه.
والطفل العربي يقاسم كل أطفال العالم صعوبة التلاؤم أثناء نموه مع عالم اليوم السريع المتطور، إلا أن طابع إعداده يجب أن يجعله أهلا لفهم مدلول القيم التي أورثتها إياه الأجيال السابقة، وصيانه ودعم التقاليد، بحيث يصبح بإمكانه في الغد أن يواصل تبليغ ما ورث إلى الأجيال التالية. ورغم كل ذلك تبقى هذه الأجيال مستعدة للعيش وسط سلاسل من التغيرات الاجتماعية والثقافية.
إن اقتناع جيل ما بأنه مسئول عن الجيل الذي يليه، يعني أن جيلا يزرع أشجارا ستكبر بعد سنوات وتؤتي أكلها بعد حين ليستفيد بها جيل لاحق، وهذا الجيل اللاحق لن يكتفي بجني الثمرات ولكن عليه أن يزرع أشجارا. ومن هنا يكون الجيل المربي حقيقيا هو الذي يبني مستقبل مجتمعة، ويكمل مسيرة جيل سابق له، وفي هذا أخذ وعطاء، والتنشئة تؤكد على الاثنين.
وقديما قال الفيلسوف الإغريقي المعروف "أفلاطون" ما معناه: "هل نسمح للأطفال دون عناية لأن يستمعوا لأي شخص ولأي قصة؟ إنهم سيتلقون أخبارا وأحاديث لها معان هي أبعد ما تكون عما نريد لأطفالنا أن ينشئوا عليه، وكالسموم الخطرة على الجسم، فكذلك هذه المعاني خطرة على عقول الأطفال ... وهذا ضد ما نود أن ينشأ عليه الأطفال وهم في طريقهم إلى أن يصبحوا كبارا".
1 / 6
وأخرج ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم". فالتنشئة إذا كان محورها الأدب فهي خير ميراث، وحسن الخلق هو خير قرين.
والكتاب الذي بين أيدينا يعالج موضوع تنشئة الطفل، ودور الوالدين في رعايته، وأساليب معاملته وتمكينه من التغلب على بعض المشكلات التي تعترض مسار تلك التنشئة.
ويشتمل الكتاب على ثمانية فصول، جاء الفصل الأول حول مفهوم التنشئة الاجتماعية وتاريخها ونظرياتها ومراحلها وأهدافها وشروطها ... واشتمل الفضل الثاني على دور الثقافة في تنشئة الأطفال ونظم تشكيل الأطفال تبعا للثقافة. أما الفصل الثالث فقد استعرض أهم وكالات التنشئة الاجتماعية، واشتمل الفصل الرابع على نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة في العالم. وفي الفصل الخامس اقترح نموذج للوالدية في ضوء أفكار Belsky وبعض الدراسات السابقة العربية والأجنبية. ودارت الفصول الثلاثة الأخيرة حول تفاعل الوالدين والأبناء، ودور الوالدين في تنشئة الأطفال على المبادئ ومواجهة مشكلات أطفالهم، وهي ترجمة بتصرف للفصول الثاني والثالث والسابع من مؤلف Rincover. وتعد كتابات Denham وElkin وMaccoby وShaffer وغيرهم من الباحثين العرب والأجانب من أهم ما اعتمد عليه الكتاب الحالي.
ونأمل أن يجد القارئ الكريم فيما نكتب أفكارا مستساغة ميسرة، ونسأل الله أن يوفقنا إلى تقديم المزيد حول الأطفال وسيكلوجيتهم.
ونتمنى أن يخرج هذا العمل العلمي مواكبا المعرفة العلمية المعاصرة في مجال التنشئة، ونشارك به مع من يسعون إلى تقوية حركة دراسات الطفولة، مما يحقق مزيدا من النهضة والتجديد في تربية النشء العربي في عالمنا المعاصر.
والله نسأل حسن القصد
القاهرة، مصر الجديدة
السبت ٢٦ أغسطس ١٩٩٥ المؤلفان
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾
يعد موضوع تنشئة الطفل من الموضوعات ذات الأهمية في حاضر عالمنا، الذي تعاقبت عليه العديد من الأزمات، تتراكم وتتكدس انعكاساتها الإيجابية والسلبية حقبة بعد أخرى، وتنتج تباينا في أساليب العيش مع التحولات الناجمة، وضياعا لبعض القيم، وصراعا بين الأجيال داخل البناء الاجتماعي الواحد.
إن البناء الاجتماعي يهدف إلى تحقيق التوازن بين التأثيرات الثقافية وأسالب الضغط الاجتماعي لدى الأفراد أعضاء هذا البناء، وإلى إيجاد نوع من التوافق بين حاجات الأفراد ومطالب المجتمع، وإلى إيجاد سلوكيات تحقق رغبات الفرد ويرضى عنها الآخرون.
وتعد تجارب السنوات الأولى من حياة الطفل، التي تهيئ للمراحل الأخرى من نضجه العقلي والنفسي والاجتماعي، مرتبطة وثيق الارتباط بتصورات الآخرين الذين يشكلون المجموعة التي ينتمي إليها، بقيمها وعاداتها، وعلى وجه الخصوص بسلطة الأسرة بداية، التي يتأثر بها تأثرا عميقا.
وقد تظهر الصورة شاحبة هزيلة في بؤسها، ولكنها حقيقة حياة ملايين من الأسر التي ينمو أطفالها وغالبا ما تكون لديهم اتجاهات وعادات وقيم هي غير المطلوبة لمجتمع عليه أن يسابق الزمن متخطيا سني التخلف إلى بدايات ضعيفة للتقدم.
إن إعداد أطفال يتمكنون من العيش سعداء في أوطانهم، وفي عالمهم، لمن أعسر المهام، وأبعثها على النخوة. والأمر لا يتطلب تعليمهم لعدد من القيم الاجتماعية التي تمثل جوهر المجتمع فحسب، بل نساعدهم على اكتساب المرونة لتتلاءم مع المتغيرات الجديدة وليدة التحولات الاجتماعية السريعة. وبذلك يتكون
1 / 37
محتويات الكتاب:
الصفحة الموضوع
الفصل الأول: تنشئة الأطفال اجتماعيا
١٧ أولا: مفهوم التنشئة الاجتماعية
٢٠ ثانيا: لمحة تاريخية عن التنشئة ومعاملة الأطفال
٢٨ ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية
٢٩ ١- نظرية التحليل النفسي
٣٠ ٢- نظريات التعلم الاجتماعي المبني على فكرة التدعيم
٣١ ٣- نظرية الدور الاجتماعي
٣٣ رابعا: عمليات تحدث أثناء تنشئة الطفل
٣٦ خامسا: متغيرات خلف العمليات التي تحدث أثناء التنشئة
٣٦ ١- المطاوعة
٣٧ ٢- العدوانية
٣٩ ٣- التقليد والتعليم البديل
٣٩ ٤- الحساسية من المشاهدين والمستمعين
٤٠ ٥- تركيبة الأسرة
٤١ ٦- دافع الإنجاز
٤٢ ٧- بيئة الجنين والطفل
٤٣ سادسا: الأخلاق وعملية التنشئة الاجتماعية
٤٥ سابعا: اللغة وعملية التنشئة الاجتماعية
٤٦ ثامنا: مرحل عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال
1 / 9
٤٦ ١- مراحل التنشئة كعملية محدودة لها نهاية
٤٨ ٢- مراحل التنشئة كعملية مستمرة لا نهائية
٥١ تاسعا: حدود التنشئة الاجتماعية
٥٣ ١- أطفال الكيبوتز
٥٤ ٢- استحالة الجتمعة للطفل
٥٥ ٣- محو آثار التنشئة
٥٦ عاشرا: أهداف ومحتوى التنشئة الاجتماعية للأطفال
٥٨ حادي عاشر: شروط تحقق التنشئة الاجتماعية الملائمة
٦٠ ثاني عشر: نتائج التنشئة الاجتماعية على الأطفال
ثالث عاشر: الإخفاق في التنشئة
الفصل الثاني: دور الثقافة في تنشئة الطفل
٦٧ أولا: مدخل
٧٠ ثانيا: نظم تشكيل الأطفال تبعا للثقافة
٧٠ ١- النظم الأولية:
٧١ أ- نظام الرضاعة.
٧١ ب- نظام الفطام
٧١ جـ- نظام الإخراج
٧٢ د- تعديل العادات الجنسية
٧٢ هـ- اللعب والثقافة
٧٥ والتدريب على الاستقلالية
٧٧ ز- التدريب على العدوان
٢- النظم الثانوية:
٧٨ أ- نظام الاقتصاد.
٧٩ ب- نظام السياسة
1 / 10
٨٠ جـ- نظام القضاء والدين.
٨١ د- نظام العائلة
٨٢ هـ- نظام الأخلاق
٨٣ والنظام الفني الجمالي
٨٤ ز- نظام اللغة
٨٤ ح- النظام الديموجرافي والمورفولوجي.
٨٥ ك- التصورات عند الأطفال
الفصل الثالث: وكالات التنشئة الاجتماعية
٩٠ أولا: الأسرة
١٠٥ ثانيا: دار الحضانة
١٠٨ ثالثا: رياض الأطفال
١١٤ رابعا: المدرسة
١٢٧ خامسا: جماعة الرفاق
١٣٥ سادسا: النوادي والساحات الشعبية والجمعيات
١٣٨ سابعا: دور العبادة.
١٤١ ثامن: وسائل الإعلام
١٦٧ تاسعا: الخدم والبشكار والمربيات
الفصل الرابع: نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة
١٧٥ أولا: نمط تنشئة الطفل من قرية مصرية
١٧٨ ثانيا: نمط تنشئة الطفل من قرية مكسيكية
١٨١ ثالثا: التنشئة للأطفال في الولايات المتحد الأمريكية
١٨٣ رابعا: تنشئة الأطفال في روسيا
١٨٨ خامسا: تنشئة الطفل الغجري في الهند
1 / 11
١٩٢ سادسا: نمط التنشئة في قرية كولمبية
١٩٧ سابعا: تنشئة الأطفال عند الفنزويليين الأفارقة
٢٠١ ثامنا: تنشئة الأطفال في قرية فرنسية
الفصل الخامس: نحو نموذج للوالدية في التنشئة
٢١١ أولا: تفاعل الوالدين مع الأبناء من خلال نماذج وبحوث
٢١٧ ثانثا: الأساليب الوالدية في معاملة الأبناء
الفصل السادس: الوالدان كجزء من مشاكل تنشئة الاطفال وأجزاء من الحلول
٢٣١ أولا: إعطاء الطفل الانطلاقة الأولى
٢٣٣ ثانيا: أفضل التوقعات
٢٣٣ ثالثا: المنافسة مع الآباء الآخرين
٢٣٤ رابعا: علاقة الأبناء بأحد الأبوين.
٢٣٥ خامسا: الطفل يشبه أحد الوالدين
٢٣٧ سادسا: الندية بين الأشقاء
٢٣٩ سابعا: المشاركة في المسئوليات بين الوالدين
٢٤٠ ثامنا: تأثير الانفصال بين الوالدين أو الطلاق
٢٤١ تاسعا: جليس الطفل
٢٤٢ عاشرا: تفضيل الوالدين لأحد الأبناء
٢٤٣ حادي عشر: حب الأطفال أكثر من اللازم
الفصل السابع: دور الوالدين في تنشئة الأبناء على المبادئ
٢٤٧ أولا: استدلال الطفل عبر النموذج
٢٤٨ ثانيا: زيادة قدرة الطفل لتوجيهه
٢٤٩ ثالثا: تقسم طريق الوصول إلى الهدف
1 / 12
٢٥١ رابعا: حب الأطفال لاهتمام وانتباه الوالدين
٢٥٣ خامسا: استخدام التغذية الراجعة.
٢٥٤ سادسا: ما يخبرنا به الطفل بخصوص مشكلاته
٢٥٦ سابعا: عقاب الأطفال
٢٦١ ثامنا: الاستمتاع مع الطفل
٢٦٣ تاسعا: الثواب أم الرشوة للأطفال
٢٦٤ عاشرا: إعطاء الطفل حق الاختيار
٢٦٦ حادي عشر: تعلم الصفات الخلقية والقيم
الفصل الثامن: دور الوالدين في مواجهة مشكلات أطفالهم أثناء التنشئة
٢٧٤ أولا: مشكلات الأكل.
٢٨٦ ثانيا: البكاء ونوبات الغضب والانفعال
٢٩٠ ثالثا: عادة مص الأصابع
٢٩٣ رابعا: مشكلات الكلام
٣٠١ خامسا: الخوف
٣٠٦ سادسا: سلوك ضرب الرأس بالحائط وإصابة الطفل لنفسه
٣١١ سابعا: سلوك عدم الطاعة والاعتراض
٣٢٠ ثامنا: التدريب على قضاء الحاجة
٣٢٤ تاسعا: مشاكل النوم
٣٣٢ عاشرا: العدوانية
حادي عشر: السلوك الاجتماعي والعلاقات
٣٤٣ ثاني عشر: النشاط الزائد
٣٤٨ ثالث عشر: الاستحواذ، الإكراه، الطقوس
٣٤٩ رابع عشر: طلب المساعدة
1 / 13
الفصل الأول: تنشئة الأطفال اجتماعيا
أولا: مفهوم التنشئة الاجتماعية
لقد اختفى إلى غير ظهور الوقت الذي كان فيه علماء النفس يشبهون الطفل بكتلة لينة يمكن للوالدين والمربين تشكيلها على النحو الذي يختارونه، وإن كان ينبغي على كل مجتمع أن يصل إلى ثلاثة حلول لقضايا هامة تواجهه بخصوص الأطفال. هي: طرق رعايتهم، وترسيخ القواعد التي تتحكم في كيفية تفاعلهم مع الآخرين، ونقل المهارات والقيم من الكبار إليهم.
وإزاء المطلب الآخير واجهت المجتمعات مصاعب متباينة، معتمدة في ذلك على عملية تعليم وتعلم تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الأطفال سلوكا ومعايير اتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنهم من مسايرة الجماعة والتوافق الاجتماعي، أي تكسبهم الطابع الاجتماعي وتيسر لهم الاندماج في الحياة الاجتماعية، إن الأمر هنا ينطوي على ما يعرف بعملية التنشئة الاجتماعية "The Socialization Process" أو ما تسمى أحيانا بعملية التطبيع الاجتماعي، تلك العملية التي يتعلم من خلالها الفرد كيف يصبح فردا في أسرته وعضوا في مجتمعه، إنها عملية تعلم القصد منها أن يُنمى لدى الطفل الذي يولد ولديه إمكانيات هائلة ومتنوعة سلوك فعل مقبول، ومعتاد وفق معايير الجماعة التي ينتمي إليها.
ويستعرض أبو القاسم الأصفهاني معنى التنشئة لغويا ... نشأ النشء، والنشأة إحداث الشيء وتربيته، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾ [الواقعة: ٦٢] ويقال: نشأ فلان، والناشئ يراد به الشاب، والإنشاء هو إيجاد الشيء وترتيبه.
وفي سورة الملك: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار﴾ [الملك: ٢٣] .
وفي سورة المؤمنون: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ [المؤمنون: ١٤] .
وفي سورة العنكبوت: ﴿يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَة﴾ [العنكبوت: ٢٠]
وعموما أي يربى كتربية النشأة، وينشأ أي يتربى.
ويرى Reber أنها العملية التي يصبح بها الفرد واعيا بالقيم والمهارات الاجتماعية، ومكتسبا لحساسية اجتماعية تؤهله إلى كيفية التفاعل مع الجماعة في
1 / 17
مجتمعه. بينما يعرفها Kagan بأنها العملية التي تغرس في الطفل قيما وأنواعا من السلوك المناسب أو الملائم لمجتمعه. ويتناولها Erikson على أنها عملية تحويل الكائن البشري من حالة الطفولة أو الرضاعة، ومن حالة الضعف والأنانية إلى حالة الراشد المثالي الذي يدين بالامتثال المعقول Sensidle Conformity مع وجود سمات الاستقلال والإبداع.
ويرى حامد زهران أن التنشئة الاجتماعية عملية تعلم وتعليم، وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى اكتساب الفرد سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وهي عملية التشكيل الاجتماعي لخاصة الشخصية.
ويرى كل من Hetherington and Parke أن التنشئة الاجتماعية عملية يعلم فيها أفراد جدد في المجتمع قواعد وقوانين اللعب الاجتماعي من خلال وكالات للتنشئة تساعد هؤلاء الجدد أن يتبنوا قوانين وقواعد تساعدهم على اللعب بنفس الطريقة المرتضاة في ذلك المجتمع.
والتنشئة الاجتماعية عملية تعلم اجتماعي Social Learning يتعلم فيها الفرد عموما طفلا أو راشدا عن طريق التفاعل الاجتماعي أدواره الاجتماعية Social Roles، ويتمثل ويكتسب المعايير الاجتماعية Social Norms والاتجاهات Attitudes النفسية، ويتعلم كيف يتصرف ويسلك بأسلوب اجتماعي توافق عليه وترتضيه الجماعة والمجتمع.
إن التنشئة الاجتماعية عملية يتم فيها تشكيل السلوك الإنساني بتكوين المعايير والقيم والمهارات والاتجاهات للأفراد كي تتطابق وتنسق مع دورهم الاجتماعي حتى يسلك كل فرد حسب جنسه "ذكر، أنثى" ودوره المتوقع في المجتمع الذي يعيش فيه حاضرا ومستقبلا.
والتنشئة الاجتماعية ليست فقط عملية تعلم اجتماعي بل هي أيضا عملية نمو يتحول خلالها الأفراد من أطفال اعتماديين متمركزين حول ذواتهم إلى كبار ناضجين يدركون إيثار الذات ومعنى المسئولية الاجتماعية Social Responsbiltiy أو التبعية الاجتماعية، يضبطون انفعالاتهم ويتحكمون في إلحاح الحاجات ويشبعونها بما يتفق وقيم المجتمع. وهذا ما يجعل عادل عز الدين يعرف التنشئة الاجتماعية.
1 / 18
بأنها العملية التي يكتسب الأطفال من خلالها الحكم الخلقي والضبط الذاتي اللازم حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسئولين في مجتمعهم.
وللتنشئة الاجتماعية خاصية الاستمرارية، فهي لا تقتصر على مرحلة الطفولة فقط بل تستمر في المراحل الأخرى كالمراهقة حتى الشيخوخة، لأن الفرد في كل من هذه المراحل ينتمي إلى جماعات من نوع جديد يبدو فيها بدور جديد ويعدل من سلوكياته ويكتسب أنماطا مستحدثة من السلوك، وهذا ما يدفع Parsons لتقديم معنى التنشئة الاجتماعية على أنها عملية تعتمد على التلقين والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية لدى الطفل والراشد، هادفة إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية، وتبدأ من الميلاد داخل الأسرة وتستمر باتساع أنساق التفاعل كلما كبر المرء. وتتأثر بجماعات الرفاق ونوع المهنة والتخصص ... وتعبر عن نشاط البناء الاجتماعي بأنساقه "الأسرة، الدين، السياسة، التعليم، المهنة، الاقتصاد" الذي يضغط على الفرد لكي يتوافق مع غيره، ويتعلم كل يوم شيئا جديدا.
وهذا ما يضفي على عملية التنشئة مفهوم الدينامية، لأن الفرد في تفاعله مع غيره من أفراد الجماعة يأخذ ويعطي في ضوء المعايير والأدوار الاجتماعية، ويؤثر ذلك مع عوامل أخرى على نمو الشخصية لكل فرد، ومن هذه العوامل كما هو معروف: الوراثة والغدد والغذاء والنضج والتعلم، بالإضافة إلى متغيرات أخرى مثل: أعمار الوالدين وحجم الأسرة والترتيب الميلادي ... إلخ.
ولعملية التنشئة وظيفة ظاهرة Manifest Function تنحصر في تدريب الطفل على أداء أنماط معينة من السلوك يرضى عنها المجتمع، ويتخذها الشخص دعامة لسلوكه أثناء حياته، كما أن لها وظيفة مستترة أو كامنة Latent Function تهدف إلى توحد الطفل مع مجموعة الأنماط الثقافية للمجتمع تعرف باسم القيم الاجتماعية Social Values التي تتكون منها بنية الشخصية Structure of Personality.
ويختلف الأشخاص في مبلغ قابليتهم للاندماج في حياة الجماعة باختلاف التنشئة التي يتعرضون لها، والتي تحيط بهم أثناء بداياتهم الأولى، مما قد يفسر لنا كيف يبدو بعض الأطفال منشئين اجتماعيين، وبعضهم مقاوم للاجتماعية Anti Socil
1 / 19
وتقل عجلة التنشئة الاجتماعية Acceleration of Socialization "معدل سرعة عملية التنشئة الاجتماعية" كلما نما الطفل ونضج، وأصبح لديه رصيد كاف من الخبرات والمهارات، لأنه يكون ذا نشاط فعال ومؤثر في شبكة العلاقات الاجتماعية التي تميز جماعته عن الجماعات الأخرى.
إن علاقة الطفل بعالمه الخارجي تأخذ شكل أفعال وردود أفعال أو استجابات اجتماعية واضحة وخالية من التناقضات. فالتصرف الذي كوفئ عليه الطفل في الأمس لا يجب أن يعاقب عليه اليوم، لأن إغفال هذه القاعدة يزرع عنده فقدان الثقة في تصرفاته وسلوكه، ولتجنب ذلك لا بد للمحيطين به من مراعاة التفاعل الثابت المتسق عند التعامل معه.
ثانيا: لمحة تاريخية عن التنشئة ومعاملة الأطفال وربما كان من المفيد استعراض لمحة تاريخية حول التنشئة ومعاملة الأطفال: كانت التنشئة قبل الإسلام تتبع أساليب الشدة والقسوة في تربية الأطفال ومعاملتهم، فقد كان الجلد منتشرا والعقاب القاسي شائعا. فقد وجدت قبل ظهور الإسلام ثلاثة أنماط من التنشئة تتنازع على السيادة في الشرق خاصة، هي: التنشئة الفارسية، والتنشئة الإغريقية، والتنشئة المسيحية. وكان لكل نمط طابع خاص يميزه. وقد اتسع الإسلام لأدب الفرس، وفلسفة اليونان، وأنظمة الروم، ورهبنة المسيحية، حتى إنه ليصح القول بأن التنشئة الإسلامية برزت على ما عداها، وأصبحت ذات خصائص واضحة المعالم بارزة القسمات.
ثانيا: لمحة تاريخية عن التنشئة ومعاملة الأطفال وربما كان من المفيد استعراض لمحة تاريخية حول التنشئة ومعاملة الأطفال: كانت التنشئة قبل الإسلام تتبع أساليب الشدة والقسوة في تربية الأطفال ومعاملتهم، فقد كان الجلد منتشرا والعقاب القاسي شائعا. فقد وجدت قبل ظهور الإسلام ثلاثة أنماط من التنشئة تتنازع على السيادة في الشرق خاصة، هي: التنشئة الفارسية، والتنشئة الإغريقية، والتنشئة المسيحية. وكان لكل نمط طابع خاص يميزه. وقد اتسع الإسلام لأدب الفرس، وفلسفة اليونان، وأنظمة الروم، ورهبنة المسيحية، حتى إنه ليصح القول بأن التنشئة الإسلامية برزت على ما عداها، وأصبحت ذات خصائص واضحة المعالم بارزة القسمات.
1 / 20
وأساس التنشئة الإسلامية هو القرآن الكريم، الذي يحفظه الصغار فيهذب أخلاقهم، ويصفي نفوسهم، ويتعودون من خلاله على مكارم الأخلاق ... وتبدأ التنشئة الإسلامية عن طريق المحاكاة والتلقين، ذلك أن الطفل ينشأ فيرى أبويه يقرأان القرآن الكريم بالإضافة للشعائر الأخرى، فتنطبع في ذهنه هذه الصورة، ويترسم خطاها بالتقليد أو بالتوجيه والدفع.
ولقد ضرب النبي ﷺ المثل الأعلى في توضيح أساليب التنشئة الوالدية، فهو مثلا يطالب بالرفق بالأطفال، وعلاج أخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة، ومعرفة البواعث التي أدت إلى هفواتهم والعمل على تداركها وإفهام الأطفال نتيجتها.
ولم يقر ﷺ الشدة والعنف في معاملة الأطفال، واعتبر الغلظة والجفاء في معاملة الأولاد نوعا من فقد الرحمة من القلب، وهدد المتصف بها بأنها عرضة لعدم حصوله على رحمة الله حيث قال ﵇ للأقرع بن حابس حينما أخبر أنه لا يقبل أولاده: "من لا يَرحم لا يُرحم".
ولقد دعا نبي الرحمة ﷺ إلى تأديب الأطفال، وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم وتعويدهم حسن السمات والتحلي بالصدق والأمانة واحترام الكبير فقال ﷺ: "ليس من أمتى من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه".
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس عن النبي ﷺ: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم".
وعن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: "ما نحل والد والدا من نحل أفضل من أدب حسن" فلا ينبغي الإكثار من لوم الطفل لتأديبه أو تأنيبه وتوبيخه لزلاته، لأن الإكثار من التأنيب يميت قلب الطفل، ولهذا فالحكمة أفضل عند تأديب الطفل.
وقبل ٥٠٥هـ نادى الغزالي بتكوين العادات الحسنة في الأطفال منذ الصغر، بتعويدهم التبكير في النوم والتبكير في الاستيقاظ والتشجيع على المشي والحركة وعدم البصق في المجالس أو التثاؤب بحضرة الغير، وتجنب الحلف بالله صادقا أو كاذبا، وأن يطيعوا الأبوين والمعلمين.
1 / 21
قال الإمام الغزالي: "اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأموال وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له".
وقرابة عام ٧٥٥هـ قدمت وجهة نظر ابن خلدون في أن القرآن الكريم هو أصل التعليم وأساس التنشئة. ويقول ابن خلدون: "إن الغاية من ذلك الوصول بالوليد إلى رسوخ العقائد الإيمانية في نفسه، وغرس أصول الأخلاق الكريمة عن طريق الدين، الذي جاء مهذبا للنفوس ومقوما للأخلاق باعثا على الخير".
ويقول ابن خلدون: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي يبني عليه غيره من العلوم. ولكل مصر وجهة في تعليمه للولدان، فأهل المغرب يقتصرون على تعليم القرآن فقط، ويأخذون في أثناء المدارسة بالرسم ومسائلة، واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه، لا بحديث، ولا فقه، ولا شعر ... وأهل الأندلس جعلوه أصلا في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط والكتاب، ولا تختص عنايتهم في التعليم بالقرآن دون هذه بل عنايتهم فيه بالخط أكثر من جميعها إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى عمر الشبيبة ... أما أهل إفريقيا فيخلطون في تعليمهم للولدان للقرآن بالحديث في الغالب، ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها، إلا أن عنايتهم بالقرآن واستظهار الولدان إياه، ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه".
ويؤكد ابن خلدون على الرحمة بالأطفال والرأفة بهم والإشفاق عليهم، والعمل على تهذيبهم باللين واللطف، لا بالشدة والعنف، لأن مجاوزة الحد مضرة
1 / 22
ومفسدة للأخلاق. فإذا أخذ الطفل بالقسوة والشدة ضاعت نفسه وذهبت ريحه، ويحمله هذا على الكذب والخبث والنفاق.
لقد ذاع صيت الفكر الإسلامي في تنشئة الأطفال، واهتم الآباء والمربون بأساليب إسلامية في التنشئة. إلا أن هناك أفكارا جاء بها رواد من الغرب آخرون نبعت أفكارهم وآراؤهم من تجارب على عينات Samples مهما كانت محدودة، ولم تأت أساليب المعاملة التي ينشدونها من جذور للدين كما لاحظنا في التراث الإسلامي.
ففي الفترة ما بين ١٩١٠-١٩٣٠م نظر السلوكيون Behaviorism وفي مقدمتهم Watson إلى أن الطفل كشيء قابل للتشكيل عن طريق الإشراط والاقتران، ولم يعيروا الاهتمام لحاجات الطفل وشعوره إلا القليل، أو حتى للفروق الجينية والاستعدادات والخصائص المزاجية. وركز السلوكيون في هذه الفترة على العوامل البيئية ودروها في إكساب الأطفال ما نريد، وأن نكبح من السلوك ما نريد أي نوقف غير المرغوب من السلوك وذلك عن طريق التعزيز والإثابة أو العقاب على السلوك الاجتماعي. ومن هنا نكسب الأطفال العادات الحسنة ونبطل العادات السيئة.
ومهمة الوالدين في نظر watson البعد عن تدليل الأطفال بأسلوب صارخ أو حتى واضح، وعليهم معاملة الأطفال على أنهم بالغون نسبيا، مع اتباع أسلوب موضوعي لا تتجاوز فيه العاطفة حدودها كالإسراف في تقبيله أو حضنه، ويوصي الوالدين بالبعد عن استخدام الحنان الظاهر لأنه أسلوب لا جدوى منه. ويشير إلى أن حب الأم عائق شديد وآلة حادة يمكن أن تجرح جروحا عميقة لا تلتئم، ويجعل مرحلة الطفولة غير سعيدة والمراهقة مثل الكابوس، كما أن الحب الشديد من جانب الأم يدمر حياة الطفل الزوجية السعيدة فيما بعد بل وتنعكس آثاره السلبية على حياته المهنية مستقبلا. ووصل تأثير watson إلى الكتب الحكومية في الولايات المتحدة، حتى إن كتب العناية بالطفل صارت إلى أنه لا يسمح للطفل بمص أصابعه، وإذا حدث ذلك فالأمر يستوجب ربط ذراع الطفل بالسرير أو إلباسه قفازا أو دهان أصابعه بسائل كريه، بالإضافة إلى عقاب الأطفال إذا تسببوا في اتساخ أنفسهم، كما نصح الآباء بترك أطفالهم يبكون خوفا من تعزيز سلوكيات غير مقبولة عن طريق تهدئتهم.
1 / 23
وفيما بين عام ١٩٣٠-١٩٦٠م أخذت التنشئة اتجاها آخر مبنيا على التسامح مع نصح الوالدين بمراعاة مشاعر الأطفال وتعرف قدراتهم وإمكاناتهم، ويرجع ذلك التحول إلى آراء مدرسة التحليل النفسي وعلى رأسها Freued، الذي ركز على دور العاطفة وأثر الحرمان العاطفي المبكر على بذور المشكلات النفسية. وقد تأثر بهذا الاتجاه أيضا Gesel ذلك العالم الذي اهتم أيضا بالنضج ودوره مع الاستعداد في عملية التنشئة، ويرى أنه حينما يصل الأطفال إلى سن معينة ويبدون استعدادهم وتقبلهم حينئذ يكون التدريب ممكنا، مثال ذلك التدريب على عملية الإخراج التي تتطلب من الأطفال التحكم والضبط اللذان يساعدانهم على أدائها دون ممارسة ضغوط أو قلق من قبل الآباء.
ومع اقتراب الأربعينيات ١٩٤٠م ظهر الاتجاه الأكثر تسامحا ومرونة على يد أصحاب النزعة الإنسانية Humanistic أمثال Rogers وMaslow وغيرهما مثل Dewey ذلك الرجل التربوي المتألق. لقد بدا المبدأ الآن قائما على فكرة أن الأطفال يولدون ومعهم دافع فطري للتعلم والسعي من أحل تحقيق ذواتهم، وكي يحققوا ذلك لا بد من وجود بيئة مناسبة يشعرون فيها بالحرية ويكون التعامل معهم مبنيا على التفاهم.
وفي الستينيات من هذا القرن ظهرت أفكار Spoke التي لم تشجع على التسامح والتدليل الكامل في تربية الأطفال، وتركز على الدفء والحنان في علاقة الوالدين بالطفل متبنيا فكرة أن الطفل يستجيب لتوجيهات الآباء المحبين الودودين على نحو أسرع وأيسر من الآباء الذين يغلب على أسلوبهم القسوة، فنحن في حاجة إلى آباء مصدر سلطة أكثر من كونهم متسلطينن ومنذ ذلك الوقت استمر التأكيد على دور الدفء في معاملة الأطفال أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، والبعد عن التسامح والتهاون أو التشدد كل التشدد. إن الواجب على الآباء في ضوء تلك الأفكار أن يسمعوا وجهة نظر الطفل إذا كان بمقدوره التعبير عنها، وأن يوضحوا قيودهم ونظامهم وألا يستخدموا قوتهم في ضبط الأطفال من خلال العقاب والعنف.
والبحوث الحديثة حول تفاعلات الأطفال الصغار ترتبط بأعمال Bawiby، Spitz التي أثنى عليها Anna Freud، Malanie Klein ويعتمد هذا التيار
1 / 24
الفكري على الرأي القائل بضرورة وجود ارتباط وثيق وحميم دائم بين الأم والطفل، وإن كل شكل من أشكال الانفصال أو الفقدان مضر بالطفل.
وهناك تصور أحدث للارتباط العاطفي على طرف نقيض من وجهة Bowiby إذ هو يوجه التحليل نحو تأثيرات هذا الارتباط بين الأم والطفل، ليس على الطفل فقط بل على ما له من انعكاسات على الأم. إن الطفل ومن يعتنى به مرتبطان بنظام تفاعلات ثري ومعقد، يشترك فيه الطرفان اجتماعيا منذ لحظة الولادة.
ففي السبعينات استطاع Stern، Klaus وغيرهم أن يفصلوا النصيب العائد إلى الرضيع في إقامة هذا الارتباط أو هذه العلاقة والمحافظة عليها وأن يتأملوا الطريقة التي يسلط بها على من يعامله أو من يعتني به بطرق متفاوتة.
ولذا ... فإننا نهتم أكثر بما يجعل الطفل عامل تكوين وتعديل أو على أقصى حد عامل تعكير لسلوك الشخص الذي يعنى به. وهناك ميل إلى أن نرى سلوك الرضيع باعثا لسلوك الأم وإلى اعتبار أشكال التفاعل منظمة مسبقا بينهما، وأن بالإمكان اكتسابها.
وينظر إلى بعض العناصر كما لو كان لها تأثير على تحريك عناية الكبير بالطفل أو استدرارها مثل جنس الطفل وقوامه وحيويته.
ومن أدق التحاليل وأشملها عن تفاعل الأم والرضيع ما أشار إليه Barzelton عن أن التفاعل خلال الأشهر الأولى يكون في هيئة دورات اتصال أو فترات اتصال يثور أثناءها انتباه الطفل، ويبلغ ذروته، ثم يتناقص إلى أن يدخل في مرحلة أهدأ. وينطبق على تفاعل الأم نفس هذا الشكل الذي تتزامن معه إذا كانت الأجواء تجري على خير ما يرام. ويعتبر هذا النسق الذي لا دخل للأم والرضيع فيه أساس الرابطة العاطفية. ومحور التفاعل أساسه المحافظة على ضبط بيولوجي للطفل لا يكون فيه هذا الطفل محل حماية زائدة ولا إهمال تام.
وقد لوحظ من جانب الأم ضروب مختلفة من السلوك، مثل تعمدها المبالغة في تحفيز الطفل في مرحلة انخفاض التفاعل.
وعندما يكون انتباه الطفل في مرحلة الذروة، فيمكن للأم استشارة المرحلة أو المحافظة عليها بواسطة الصوت واللمس، وإن كان للنظر هنا مرتبة الصدارة.
1 / 25
إن Stern يرى أن النظر أكثر أنشطة الأم متابعة قبل الرضيع لارتباطه بنظر الولد الذي هو دون ذلك من حيث الاستقرار. وفي اللحظات التي تتأمل فيها العيون بعضها بعضا يحدث التثبيت أو المحافظات على الرابطة العاطفية بين الاثنين. وهي عملية ذات تأثير مزدوج متبادل، يتحتم مع تكرارها على الطرفين أن يتلازما ويرتبطا اجتماعيا ووجدانيا.
إن عجز الرضع العميان عن إصدار بعض علامات تظهر لدى الرضع المبصرين، يمثل عائقا يحول دون إقامة ترابط وجداني بين الأم والطفل.
والأدوات التي تستخدمها الأم مع وليدها للحفاظ على التأثير المتبادل هي: النظر والاتصال البدني والصوت وملاطفات الأم. وغالبا ما تجيب على ما يبديه الطفل من استعداد للتفاعل بواسطة الصوت. وهذه التفاعلات خلال العام الأول للميلاد ليست مهمة لإقامة الرابطة العاطفية وتثبيتها، وإنما هي مهمة في نمو الطفل اللغوي والإدراكي المعرفي والاجتماعي، وكل ذلك هام للغاية أثناء عملية التنشئة.
وإذا كانت التنشئة الاجتماعية تشير إلى العملية التي يكتسب الأفراد بواسطتها المعرفة والمهارات والإمكانات التي تجعلهم أعضاء فعالين في مجتمعهم، فمن الواضح أن خبرة التطبيع الاجتماعي للفرد في الطفولة لا تعده لكل الأدوار التي يتوقع منه أن يمارسها في حياته المستقبلة في المجتمع.
إن الأمر هنا يتطلب منا أن نوضح علاقة الشخصية بالمجتمع التي تبدو في اتجاهين أساسيين:
الاتجاه الأول: يهتم بكيفية تكيف الشخص للمجتمع، وكيف يتمكن من أن يبدع، وكيف يغير في النظام الاجتماعي الذي ولد فيه بالتدريج، وذلك مع غيره من الأشخاص الذين يحولون على نفس النحو:
الاتجاه الثاني: يهتم بكيفية بناء المجتمع للشخص بعدما يولد فيه، وكيف يحوله من كائن بيولوجي إلى إنسان له فعاليات اجتماعية مناسبة.
إن التنشئة الاجتماعية تنطوي تحت الاتجاه الثاني، أي إنها تدور حول كيفية تغيير المجتمع للإنسان المولود وليس كيفية تغير الإنسان لمجتمعه.
1 / 26
والفرد عموما يعد وبدرجات متفاوتة من النجاح، ليلبي سلوكه مطالب بيئته وأعضاء مجتمعه في مجالات ومناسبات مختلفة، وهذه المطالب دائما ما تكون مرتبطة بواحد من المراكز الاجتماعية أو الأدوار الاجتماعية كالابن والتلميذ والزوج والموظف و... إلخ. إن السلوكيات المطلوبة من الفرد الذي في مركز أو دور معين تسمى مواصفات الدور Prescribed Role ومواصفات الدور هي في الأساس جهود من قبل أفراد المجتمع أو مؤسساته لينظموا سلوك الأفراد الآخرين حتى تتحقق صور متوقعة أو منتظرة.
وعلى أي حال يكتسب الفرد حضارة جماعته خلال عملية التنشئة الاجتماعية والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين:
١- فهم المراكز أو الأدوار الاجتماعية: يكتسب الفرد فهما للمراكز أو الأدوار المعترف بها تقليديا في مجتمعه وأسمائها.
٢- تعلم مواصفات وفعاليات الدور: يتعلم الفرد مواصفات الدور وسلوك الدور وما يصاحب كل دور من شعور وأحاسيس.
ومن خلال القسمين السابقين تصبح وظيفة التنشئة هي تحويل الفرد الخام "الإنسان الخام" في المجتمع إلى عضو عامل فعال وجيد، ومحتوى عملية التنشئة هي فهم كيان الأدوار ومواصفات كل دور وسلوكياته المصاحبة.
وما يجب ألا يخفى على الأذهان أن النظرة التي تعتبر التنشئة الاجتماعية عملية يأتي بواسطتها للمجتمع أفراد مناسبون لا تنكر أن مطالب المجتمع، أحيانا تبدو غير واقعية أو هي بالفعل غير منطقية أو غير ممكنة وربما تحد إذا لم تجعل مستحيلا تحقيق الرغبات الشخصية لكثير من أعضاء المجتمع وربما تسببت واحدة من متطلبات المجتمع في انحلال أو تطرف. وكما أن فكرة كون الطفل صفحة بيضاء يجب إعادة النظر في قبولها فليس هناك ما يبرر بوضوح أن تجارب الطفولة تنعكس بشكل آلي في مظاهر إيجابية أو مظاهر سلبية عند مرحلة الرشد والشيخوخة.
ولقد ظهر الاهتمام بفكرة اكتساب الأدوار من قبل الأطفال في بحوث Michalson، Sewell، Maccoby وغيرها.
1 / 27
وفي ندوة الطفل والتنشئة تحت رعاية الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية جاءت أهمية التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة لأسباب منها:
١- التنشئة الاجتماعية تعكس القابلية إلى تعديل السلوك وتشكيله
٢- أن التنشئة الاجتماعية تنطوي على العمليات الأساسية اللازمة لاستمرارية الحضارة وتراكم حصيلة المعرفة الاجتماعية من جيل إلى آخر.
٣- أن التنشئة الاجتماعية تبني المهارات والخبرات اللازمة للعيش في جماعة حضارية بحيث يكون هناك فرصة للنجاح وسط تلك الجماعة.
٤- أن التنشئة الاجتماعية يجمع على أهميتها في الطفولة الآباء والمربون ورجال الدين والمشرعون وعلماء النفس والاجتماع.
ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية مدخل ... ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية: يرى Field وجود نموذجين يمكن استخلاصهما من التنظيرات المتعددة في مجال التنشئة الاجتماعية. النموذج الأول: وفيه يتم تصوير عملية التنشئة الاجتماعية على أنها جهاز استدخال Internalization لمعايير وقيم المجتمع أو الحضارة، بحيث تتحول هذه القيم والتقاليد والمعايير إلى جزء من البناء النفسي للفرد، وهكذا يذوب الفرد في البناء الاجتماعي، ويبدو مذعنا أو مستسلما passive فهو عبارة عن إناء خال يتم تعبئته بما تستدخله عليه حضارته التي يعيش فيها، وهنا يبدو الفرد غير قادر على إدراك أو تفسير الفوضى Disorder أو التفاوت الموجود في المجتمع ولا ينقاد إلى التوقعات المعيارية بسبب رغبته الكامنة في الحصول على رضى وحب الآخرين من المحيطين. النموذج الثاني: وفيه يتم تصوير عملية التنشئة الاجتماعية ليس كجهاز قهري بل طوعي الانقياد Conformity، ويبدو الفرد هنا فعالا مشغولا ببناء الواقع المحيط في ضوء نموه بدءا باكتساب اللغة والانتماء الطوعي للمفاهيم المشتركة. وهنا أيضا يبدو الفرد غير قادر على إدراك أو تفسير التفاوت في البيئة المحيطة وإن كان ينقاد من أجل الحصول على الشعور بالانتماء والرغبة في الحصول على حب المحيطين ورضاهم.
ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية مدخل ... ثالثا: نظريات في التنشئة الاجتماعية: يرى Field وجود نموذجين يمكن استخلاصهما من التنظيرات المتعددة في مجال التنشئة الاجتماعية. النموذج الأول: وفيه يتم تصوير عملية التنشئة الاجتماعية على أنها جهاز استدخال Internalization لمعايير وقيم المجتمع أو الحضارة، بحيث تتحول هذه القيم والتقاليد والمعايير إلى جزء من البناء النفسي للفرد، وهكذا يذوب الفرد في البناء الاجتماعي، ويبدو مذعنا أو مستسلما passive فهو عبارة عن إناء خال يتم تعبئته بما تستدخله عليه حضارته التي يعيش فيها، وهنا يبدو الفرد غير قادر على إدراك أو تفسير الفوضى Disorder أو التفاوت الموجود في المجتمع ولا ينقاد إلى التوقعات المعيارية بسبب رغبته الكامنة في الحصول على رضى وحب الآخرين من المحيطين. النموذج الثاني: وفيه يتم تصوير عملية التنشئة الاجتماعية ليس كجهاز قهري بل طوعي الانقياد Conformity، ويبدو الفرد هنا فعالا مشغولا ببناء الواقع المحيط في ضوء نموه بدءا باكتساب اللغة والانتماء الطوعي للمفاهيم المشتركة. وهنا أيضا يبدو الفرد غير قادر على إدراك أو تفسير التفاوت في البيئة المحيطة وإن كان ينقاد من أجل الحصول على الشعور بالانتماء والرغبة في الحصول على حب المحيطين ورضاهم.
1 / 28