ومنه الانسجام: وهو أن يكون الكلام مشابها للماء في انسجامه وتحدره وسهولته، ولا خفاء بما في هاتين الكلمتين من حسن سبكهما وسهولتهما وخفة النطق بهما. وكذلك وصفهما، وهذا الضرب من أحسن ضروب الكلام وأزينه؛ لأنه إذا كان مؤلفا من حروف سهلة المخارج كان أحسن في البلاغة، وأبلغ في الحسن ومنه الإطناب؛ لأن أفضل الكلام أبينه، وأبينه أشده إحاطة بالمعاني والإطناب في المواعظ وشبهها محمود مندوب إليه عند أهل النقد والبلاغة، فلو قيل: سبحان الله العظيم وبحمده، حصلت الفائدة، لكن قال صلى الله عليه وسلم : ((سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، فأطنب لفوائد منها: زيادة أجر الذاكر بهما المرتب على تكرير تسبيح الله عز وجل.
ومن بديع هذا الحديث الإيجاز وإذا كان الإيجاز في الكلام وتحته معان كان بالقلوب أوقع، وإلى الحفظ أسرع، ولا يخفى ما في هذا الحديث من الإيجاز، لأنهما كلمتان وتحتهما من المعاني ما لا ينحصر، كما قدمنا بعضه، وهذه نكتة بديعة في الحديث؛ لأنه جمع بين ضدين الإيجاز والإطناب، مثلما جمع بين الخفة والثقة كما بينا ذلك.
ومنه الحذف وهو على وجوه:
منها قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ابتداء: ((كلمتان)) ففيه حذف لو ظهر كان -والله أعلم- اسمعوا أيها الناس، أو نحو ذلك كلمتان حبيبتان إلى الرحمن.
ومنه: الاكتفاء، ويقرب من النوع الذي قبله، فقوله صلى الله عليه وسلم : ((ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده)). الحديث. فاكتفى بذكرهما عن أداة الإشارة إليهما، كما قال سبحانه وتعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، أي: فأفطر، فعليه كذا، فاكتفى بالمسبب الذي هو قوله {فعدة من أيام أخر} من السبب الذي هو الإفطار.
صفحه ۱۲۷