تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات
تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات
ناشر
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
محل انتشار
المملكة العربية السعودية ١٤٢٣ هـ
ژانرها
[مقدمة تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الحمد لله الذي قدر فهدى، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عرج به إلى السماء فرأى من آيات ربه الكبرى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي المناقب والنهى، وسلم تسليما كثيرا مؤبدا.
أما بعد: فلما كانت المرأة المسلمة لها مكانتها في الإسلام، وقد أنيط بها كثير من المهام، وكان النبي ﷺ يخص النساء بتوجيهات، وأوصى بهن في خطبته في عرفات، مما يدل على وجوب العناية بهن في كل زمان، ولا سيما في هذا الزمان الذي غزيت فيه المرأة المسلمة بصفة خاصة؛ لسلبها كرامتها، وإنزالها من مكانتها، فكان لا بد من توعيتها بالخطر، ووصف طريق النجاة لها.
وهذا الكتاب أرجو أن يكون علامة على هذا الطريق بما تضمنه من ذكر بعض الأحكام الخاصة بها، وهو إسهام ضئيل، لكنه جهد المقل، وأرجو أن ينفع الله به على قدره، وهو خطوة أولى في هذا السبيل يرجى أن تتلوها خطوات أعم وأشمل، إلى ما هو أحسن وأكمل.
1 / 5
وما قدمته في هذه العجالة يتكون من الفصول التالية:
١ - الفصل الأول: أحكام عامة.
٢ - الفصل الثاني: في بيان أحكام تختص بالتزين الجسمي للمرأة.
٣ - الفصل الثالث: أحكام تختص بالحيض والاستحاضة والنفاس.
٤ - الفصل الرابع: أحكام تختص باللباس والحجاب.
٥ - الفصل الخامس: في بيان أحكام تختص بالمرأة في صلاتها.
٦ - الفصل السادس: أحكام تختص بالمرأة في باب أحكام الجنائز.
٧ - الفصل السابع: أحكام تختص بالمرأة في باب الصيام.
٨ - الفصل الثامن: أحكام تختص بالمرأة في الحج والعمرة.
٩ - الفصل التاسع: أحكام تختص بالزوجية وبإنهائها.
١٠ - الفصل العاشر الختامي: في بيان أحكام تحفظ للمرأة كرامتها وتصون عفتها.
المؤلف
1 / 6
[الفصل الأول أحكام عامة]
[مكانة المرأة قبل الإسلام]
الفصل الأول
أحكام عامة ١ - مكانة المرأة قبل الإسلام: ويراد بما قبل الإسلام عصر الجاهلية التي كان يعيشها العرب بصفة خاصة، ويعيشها أهل الأرض بصفة عامة، حيث كان الناس في فترة من الرسل، ودروس من السبل، وقد نظر الله إليهم - كما جاء في الحديث - فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وكانت المرأة في هذا الوقت في الأغلب الأعم تعيش فترة عصيبة - خصوصا في المجتمع العربي - حيث كانوا يكرهون ولادتها، فمنهم من كان يدفنها وهي حية حتى تموت تحت التراب، ومنهم من يتركها تبقى في حياة الذل والمهانة، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ - يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: ٥٨ - ٥٩] (١) .
_________
(١) سورة النحل، الآيتان ٥٨، ٥٩.
1 / 7
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ - بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٨ - ٩] (١) والموؤودة هي البنت تدفن حية حتى تموت تحت التراب، وإذا سلمت من الوأد وعاشت فإنها تعيش عيشة المهانة، فليس لها حظ من ميراث قريبها مهما كثرت أمواله، ومهما عانت من الفقر والحاجة؛ لأنهم يخصون الميراث بالرجال دون النساء، بل إنها كانت تورث عن زوجها الميت كما يورث ماله، وكان الجمع الكثير من النساء يعشن تحت زوج واحد حيث كانوا لا يتقيدون بعدد محدد من الزوجات غير عابئين بما ينالهن من جراء ذلك من المضايقات والإحراجات والظلم.
[مكانة المرأة في الإسلام]
٢ - مكانة المرأة في الإسلام: فلما جاء الإسلام رفع هذه المظالم عن المرأة، وأعاد لها اعتبارها في الإنسانية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣] (٢) فذكر سبحانه أنها شريكة الرجل في مبدأ الإنسانية، كما هي شريكة الرجل في الثواب والعقاب على العمل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧] (٣) .
_________
(١) سورة التكوير، الآيتان ٨، ٩.
(٢) سورة الحجرات، الآية ١٣.
(٣) سورة النحل، الآية ٩٧.
1 / 8
وقال تعالى: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] (١) .
وحرم سبحانه اعتبار المرأة من جملة موروثات الزوج الميت، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] (٢) .
فضمن لها استقلال شخصيتها، وجعلها وارثة لا موروثة، وجعل للمرأة حقا في الميراث من مال قريبها، فقال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] (٣) وقال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: ١١] (٤) إلى آخر ما جاء في توريث المرأة أما وبنتا وأختا وزوجة.
وفي مجال الزوجية حصر الله الزواج على أربع حدا أعلى،
_________
(١) سورة الأحزاب، الآية ٧٣.
(٢) سورة النساء، الآية ١٩.
(٣) سورة النساء، الآية ٧.
(٤) سورة النساء، الآية ١١.
1 / 9
بشرط القيام بالعدل المستطاع بين الزوجات، وأوجب معاشرتهن بالمعروف، فقال سبحانه: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩] (١) وجعل الصداق حقا لها، وأمر بإعطائها إياه كاملا إلا ما سمحت به عن طيب نفس، فقال: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤] (٢) وجعلها الله راعية آمرة ناهية في بيت زوجها أميرة على أولادها، قال ﷺ: «المرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها»، وأوجب على الزوج نفقتها وكسوتها بالمعروف.
[ما يريده أعداء الإسلام للمرأة]
٣ - ما يريده أعداء الإسلام وأفراخهم اليوم من سلب المرأة كرامته وانتزاع حقوقها: إن أعداء الإسلام - بل أعداء الإنسانية اليوم من الكفار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض - غاظهم ما نالته المرأة المسلمة من كرامة وعزة وصيانة في الإسلام؛ لأن أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يريدون أن تكون المرأة أداة تدمير، وحبالة يصطادون بها ضعاف الإيمان وأصحاب الغرائز الجانحة، بعد أن يشبعوا منها شهواتهم المسعورة، كما قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧]
_________
(١) سورة النساء، الآية ١٩.
(٢) سورة النساء، الآية ٤.
1 / 10
(١) .
والذين في قلوبهم مرض من المسلمين يريدون من المرأة أن تكون سلعة رخيصة في معرض أصحاب الشهوات والنزعات الشيطانية، سلعة مكشوفة أمام أعينهم يتمتعون بجمال منظرها، أو يتوصلون منها إلى ما هو أقبح من ذلك؛ ولذلك حرصوا على أن تخرج من بيتها لتشارك الرجال في أعمالهم جنبا إلى جنب، أو لتخدم الرجال ممرضة في المستشفى، أو مضيفة في الطائرة، أو دارسة أو مدرسة في فصول الدراسة المختلطة، أو ممثلة في المسرح، أو مغنية، أو مذيعة في وسائل الإعلام المختلفة سافرة فاتنة بصوتها وصورتها، واتخذت المجلات الخليعة من دور الفتيات الفاتنات العاريات وسيلة لترويج مجلاتهم وتسويقها، واتخذ بعض التجار وبعض المصانع من هذه الصور أيضا وسيلة لترويج بضائعهم، حيث وضعوا هذه الصور على معروضاتهم ومنتجاتهم، وبسبب هذه الإجراءات الخاطئة تخلت المرأة عن وظيفتها الحقيقية في البيت، مما اضطر أزواجهن إلى جلب الخادمات الأجنبيات لتربية أولادهم، وتنظيم شؤون بيوتهم، مما سبب كثيرا من الفتن، وجلب عظيما من الشرور.
_________
(١) سورة النساء، الآية ٢٧.
1 / 11
[لا مانع من عمل المرأة خارج بيتها وفق ضوابط شرعية]
٤ - إننا لا نمانع من عمل المرأة خارج بيتها إذا كانت بالضوابط الآتية: ١ - أن تحتاج إلى هذا العمل أو يحتاج المجتمع إليه بحيث لا يوجد من يقوم به من الرجال.
٢ - أن يكون ذلك بعد قيامها بعمل البيت الذي هو عملها الأساسي.
٣ - أن يكون هذا العمل في محيط النساء؛ كتعليم النساء وتطبيب أو تمريض النساء، ويكون منعزلا عن الرجال.
٤ - كذلك لا مانع بل يجب على المرأة أن تتعلم أمور دينها، ولا مانع أن تعلم من أمور دينها ما تحتاج إليه، ويكون التعليم في محيط النساء، ولا بأس أن تحضر الدروس في المسجد ونحوه، وتكون متسترة ومنعزلة عن الرجال، على ضوء ما كانت النساء في صدر الإسلام يعملن ويتعلمن ويحضرن إلى المساجد.
1 / 12
[الفصل الثاني في بيان أحكام تختص بالتزين الجسمي للمرأة]
[يطلب منها أن تفعل من خصال الفطرة ما يختص بها ويليق بها]
الفصل الثاني
في بيان أحكام تختص
بالتزين الجسمي للمرأة ١ - يطلب منها أن تفعل من خصال الفطرة ما يختص بها ويليق بها من قص الأظافر وتعاهدها؛ لأن تقليم الأظافر سنة بإجماع أهل العلم؛ لأنه من خصال الفطرة الواردة في الحديث، ولما في إزالتها من النظافة والحسن، وما في بقائها طويلة من التشويه، والتشبه بالسباع، وتراكم الأوساخ تحتها، ومنع وصول الماء إلى ما تحتها، وبعض المسلمات قد ابتلين بتطويل الأظافر؛ تقليدا للكافرات، وجهلا بالسنة.
ويسن للمرأة إزالة شعر الإبطين والعانة؛ عملا بالحديث الوارد في ذلك، ولما فيه من التجمل، والأحسن أن يكون ذلك كل أسبوع، أو لا يترك أكثر من أربعين يوما.
[ما يطلب منها وما تمنع منه في شعر رأسها وشعر حاجبيها وحكم الخضاب] وصبغ الشعر
٢ - ما يطلب منها وما تمنع منه في شعر رأسها وشعر حاجبيها وحكم الخضاب وصبغ الشعر
أ - يطلب من المسلمة توفير شعر رأسها، ويحرم عليها حلقه إلا من ضرورة.
1 / 13
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية ﵀: وأما شعر رؤوس النساء فلا يجوز حلقه؛ لما رواه النسائي في سننه بسنده عن علي ﵁، ورواه البزار بسنده في مسنده عن عثمان ﵁، ورواه ابن جرير بسنده عن عكرمة ﵁، قالوا: «نهى رسول الله ﷺ أن تحلق المرأة رأسها»، والنهي إذا جاء عن النبي ﷺ فإنه يقتضي التحريم ما لم يرد له معارض.
قال ملا علي قاري في [المرقاة شرح المشكاة]: قوله: أن تحلق المرأة رأسها؛ وذلك لأن الذوائب للنساء كاللحى للرجال في الهيئة والجمال. . انتهى (١) .
وأما قص شعر رأسها فإن كان لحاجة غير الزينة؛ كأن تعجز عن مؤنته، أو يطول كثيرا ويشق عليها فلا بأس بقصه بقدر الحاجة، كما كان بعض أزواج النبي ﷺ يفعلنه بعد وفاته، لتركهن التزين بعد وفاته واستغنائهن عن تطويل الشعر.
وأما إن كان قصد المرأة من قص شعرها هو التشبه بالكافرات والفاسقات، أو التشبه بالرجال فهذا محرم بلا شك؛ للنهي عن التشبه بالكفار عموما، وعن تشبه المرأة بالرجال، وإن كان القصد
_________
(١) [مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم] (٢ / ٤٩) .
1 / 14
منه التزين فالذي يظهر أنه لا يجوز.
قال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ﵀ في [أضواء البيان]: (إن العرف الذي صار جاريا في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجية مخالفة لما كان عليه نساء المسلمين ونساء العرب قبل الإسلام، فهو من جملة الانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق والسمت وغير ذلك)، ثم أجاب عن حديث: «أن أزواج النبي ﷺ يأخذن من رؤوسهن حنى تكون كالوفرة»: بأن أزواج النبي ﷺ إنما قصرن رؤوسهن بعد وفاته ﷺ؛ لأنهن كن يتجملن في حياته، ومن أجمل زينتهن شعورهن، أما بعد وفاته ﷺ فلهن حكم خاص بهن لا تشاركهن فيه امرأة واحدة من نساء جميع أهل الأرض، وهو انقطاع أملهن انقطاعا كليا من التزويج، ويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع، فهن كالمعتدات المحبوسات بسببه ﷺ إلى الموت، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] (١) واليأس من الرجال بالكلية قد يكون سببا للترخيص في الإحلال بأشياء من الزينة لا تحل لغير
_________
(١) سورة الأحزاب، الآية ٥٣.
1 / 15
ذلك السبب. انتهى (١) .
فعلى المرأة أن تحتفظ بشعر رأسها وتعتني به وتجعله ضفائر، ولا يجوز لها جمعه فوق الرأس أو من ناحية القفا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في [مجموع الفتاوى] (٢٢ / ١٤٥): كما يقصد بعض البغايا أن تضفر شعرها ضفيرا واحدا مسدولا بين الكتفين.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية ﵀: وأما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا أو جعله فوق الرأس كما تفعله نساء الإفرنج فهذا لا يجوز، لما فيه من التشبه بنساء الكفار، وعن أبي هريرة ﵁ في حديث طويل قال: قال رسول الله ﷺ: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (٢) وقد فسر بعض العلماء قوله: مائلات مميلات بأنهن يتمشطن المشطة
_________
(١) [أضواء البيان] (٥ / ٥٩٨ - ٦٠١)، ولا يجوز لها أن تطيع زوجها إذا أمرها بذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
(٢) رواه مسلم.
1 / 16
الميلاء، وهي مشطة البغايا، ويمشطن غيرهن تلك المشطة، وهذه مشطة نساء الإفرنج ومن يحذو حذوهن من نساء المسلمين (١) .
وكما تمنع المرأة المسلمة من حلق شعر رأسها، أو قصه من غير حاجة؛ فإنها تمنع من وصله والزيادة عليه بشعر آخر؛ لما في الصحيحين: «لعن رسول الله ﷺ الواصلة والمستوصلة»، والواصلة هي التي تصل شعرها بشعر غيرها، والمستوصلة هي التي يعمل بها ذلك؛ لما في ذلك من التزوير، ومن الوصل المحرم لبس الباروكة المعروفة في هذا الزمان، روى البخاري ومسلم وغيرهما أن معاوية ﵁ خطب لما قدم المدينة وأخرج كبة من شعر، أو قصة من شعر، فقال: ما بال نسائكم يجعلن في رؤوسهن مثل هذا؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من امرأة تجعل في رأسها شعرا من شعر غيرها إلا كان زورا»، والباروكة: شعر صناعي يشبه شعر الرأس، وفي لبسها تزوير.
ب - ويحرم على المرأة المسلمة إزالة شعر الحاجبين أو إزالة بعضه بأي وسيلة من الحلق أو القص، أو استعمال المادة المزيلة
_________
(١) مجموع فتاوى الشيخ، (٢ / ٤٧)، وانظر [الإيضاح والتبيين] للشيخ حمود التويجري، ص ٨٥.
1 / 17
له أو لبعضه؛ لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي ﷺ من فعلته فقد «لعن ﷺ النامصة والمتنمصة»، والنامصة هي التي تزيل شعر حاجبيها أو بعضه للزينة في زعمها، والمتنمصة التي يفعل بها ذلك، وهذا من تغيير خلق الله الذي تعهد الشيطان أن يأمر به بني آدم، حيث قال كما حكاه الله عنه: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] (١) وفي الصحيح عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ﷿»، ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله ﷿، يعني قوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] (٢) .
ذكر ذلك ابن كثير في [تفسيره] (٢ / ٣٥٩) طبعة دار الأندلس.
وقد ابتلي بهذه الآفة الخطيرة التي هي كبيرة من كبائر الذنوب كثير من النساء اليوم، حتى أصبح النمص كأنه من الضروريات اليومية، ولا يجوز لها أن تطيع زوجها إذا أمرها بذلك؛ لأنه معصية.
_________
(١) سورة النساء، الآية ١١٩.
(٢) سورة الحشر، الآية ٧.
1 / 18
ج - ويحرم على المرأة المسلمة تفليج أسنانها للحسن بأن تبردها بالمبرد حتى تحدث بينها فرجا يسيرة رغبة في التحسين، أما إذا كانت الأسنان فيها تشويه وتحتاج إلى عملية تعديل لإزالة هذا التشويه، أو فيها تسوس واحتاجت إلى إصلاحها من أجل إزالة ذلك فلا بأس؛ لأن هذا من باب العلاج وإزالة التشويه، ويكون ذلك على يد طبيبة مختصة.
د - ويحرم على المرأة عمل الوشم في جسمها؛ لأن النبي ﷺ لعن الواشمة والمستوشمة، والواشمة هي التي تغرز اليد أو الوجه بالإبر، ثم تحشو ذلك المكان بالكحل أو المداد، والمستوشمة هي التي يفعل بها ذلك، وهذا عمل محرم وكبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي ﷺ لعن من فعلته أو فعل بها، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر.
هـ - حكم الخضاب للنساء وصبغ الشعر والتحلي بالذهب:
١ - الخضاب: قال الإمام النووي في [المجموع] (١ / ٣٢٤): أما خضاب اليدين والرجلين بالحناء فمستحب للمتزوجة من النساء؛ للأحاديث المشهورة فيه. . انتهى، يشير إلى ما رواه أبو داود: «أن امرأة سألت عائشة ﵂ عن خضاب الحناء، فقالت: لا بأس به، ولكني أكرهه، كان حبيبي رسول الله ﷺ يكره ريحه»، ورواه النسائي، وعنها ﵂ قالت: «أومأت امرأة
1 / 19
من وراء ستر - بيدها كتاب - إلى رسول الله ﷺ، فقبض النبي ﷺ يده وقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت: بل يد امرأة: قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك - يعني: بالحناء» -[أخرجه أبو داود والنسائي]، لكن لا تصبغ أظفارها بما يتجمد عليها ويمنع الطهارة (١) .
٢ - وأما صبغ المرأة شعر رأسها: فإن كان شيبا فإنها تصبغه بغير السواد؛ لعموم نهيه ﷺ عن الصبغ بالسواد.
قال الإمام النووي في [رياض الصالحين] صفحة ٦٢٦، باب (نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بالسواد)، وقال في [المجموع] (١ / ٣٢٤): ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة، هذا مذهبنا. . انتهى.
وأما صبغ المرأة لشعر رأسها الأسود؛ ليتحول إلى لون آخر، فالذي أرى أن هذا لا يجوز؛ لأنه لا داعي إليه؛ لأن السواد بالنسبة للشعر جمال وليس تشويها يحتاج إلى تغيير، ولأن في ذلك تشبها بالكافرات.
٣ - ويباح للمرأة أن تتحلى من الذهب والفضة بما جرت به العادة، وهذا بإجماع العلماء، لكن لا يجوز لها أن تظهر حليها
_________
(١) كالصبغة المسماة بالمناكير.
1 / 20
للرجال غير المحارم، بل تستره، خصوصا عند الخروج من البيت والتعرض لنظر الرجال إليها؛ لأن ذلك فتنة، وقد نهيت أن تسمع الرجال صوت حليها الذي في رجلها تحت الثياب (١) فكيف بالحلي الظاهر؟
_________
(١) قال تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: ٣١] .
1 / 21
[الفصل الثالث أحكام تختص بالحيض والاستحاضة والنفاس]
[أولا الحيض]
[تعريف الحيض]
الفصل الثالث
أحكام تختص بالحيض
والاستحاضة والنفاس أولا: الحيض ١ - تعريف الحيض الحيض في اللغة هو السيلان، والحيض شرعا: دم يخرج من قعر رحم المرأة في أوقات معلومة من غير مرض ولا إصابة، وإنما هو شيء جبل الله عليه بنات آدم، خلقه الله في الرحم لتغذية الولد في الرحم وقت الحمل، ثم يتحول لبنا بعد ولادته، فإذا لم تكن المرأة حاملا ولا مرضعا بقي هذا الدم لا مصرف له، فيخرج في أوقات معلومة، تعرف بالعادة أو الدورة الشهرية.
[سن الحيض]
٢ - سن الحيض: السن الذي تحيض فيه المرأة: غالبا أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين إلى خمسين سنة، قال تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤] (١) فاللائي يئسن: من بلغن خمسين سنة، واللائي لم
_________
(١) سورة الطلاق، الآية ٤.
1 / 22
يحضن: هن الصغار دون التسع.
[أحكام الحائض]
[يحرم في حال الحيض وطؤها في الفرج]
٣ - أحكام الحائض: أ - يحرم في حال الحيض وطؤها في الفرج؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] (١) ويستمر هذا التحريم إلى أن ينقطع عنها خروج دم الحيض وتغتسل منه؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] ويباح لزوج الحائض أن يستمتع منها بما دون الجماع في الفرج؛ لقوله ﷺ: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» (٢) .
[تترك الحائض الصوم والصلاة في مدة حيضها]
ب - تترك الحائض الصوم والصلاة في مدة حيضها، ويحرم عليها فعلهما، ولا يصحان منها؛ لقوله ﷺ: «أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟» متفق عليه، فإذا طهرت الحائض فإنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ لقول عائشة ﵂: «كنا نحيض على عهد رسول الله ﷺ فكنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» متفق عليه.
_________
(١) سورة البقرة، الآية ٢٢٢.
(٢) رواه مسلم.
1 / 23
والفرق - والله أعلم - أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها؛ للحرج والمشقة في ذلك بخلاف الصوم.
[يحرم على الحائض مس المصحف من غير حائل]
ج - يحرم على الحائض مس المصحف من غير حائل؛ لقوله تعالى: ﴿لا يمسه إلا المطهرون﴾ [الواقعة: ٧٩] (١) ولما في الكتاب الذي كتبه رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم: «لا يمس المصحف إلا طاهر» (٢) وهو يشبه المتواتر، لتلقي الناس له بالقبول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس المصحف إلا طاهر.
وأما قراءة الحائض للقرآن من غير مس المصحف فهي محل خلاف بين أهل العلم، والأحوط: أنها لا تقرأ القرآن إلا عند الضرورة، كما إذا خشيت نسيانه، والله أعلم.
[يحرم على الحائض الطواف بالبيت]
د - يحرم على الحائض الطواف بالبيت؛ لقوله ﷺ لعائشة لما حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» (٣) .
[يحرم على الحائض اللبث في المسجد]
هـ - يحرم على الحائض اللبث في المسجد؛ لقوله ﷺ: «إني
_________
(١) سورة الواقعة، الآية ٧٩.
(٢) رواه النسائي وغيره.
(٣) متفق عليه.
1 / 24