بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الحول والقوة، ولا حول ولا قوة إلا به
أما على أثر حمد الله الذي هو أول كتابه، وآخر دعوى ساكني دار ثوابه، والصلاة والسلام على محمد خير خيرته من بريته، وعلى الصفوة من ذريته، فإن خير القول ما شغل بخدمة خير من جمع الله له عزة الملك إلى بسطة العلم، ونور الحكمة إلى نفاذ الحكم، وجعله مبرزًا على ملوك العصر، ومدبري الأرض، وولاة الأمر. بخصائص من العدل، وجلائل من الفضل، ودقائق من الكرم المحض. لا يدخل أيسرها تحت العادات، ولا يدرك أقلها بالعبارات. ومحاسن سير تطرسها أسنة الأقلام، وتدرسها ألسنة الليالي والأيام. وهذه صفة تغني عن تسمية الموصوف؛ لاختصاصه بمعناها، واستحقاقه إياها، واستئثاره على جميع الملوك بها. ويعلم سامعها ببديهة السماع أنها لمولانا الأمير السيد الأجل شمس المعالي أطال الله بقاءه، ونصر لواءه خالصة وعليه مقصورة، وبه آنسة، وعن غيره نافرة، إذ هو
1 / 3
أدام الله سلطانه، وحرس عزه ومكانه بمعاينة الآثار، وشهادة الأخبار، وإجماع الأولياء وإصفاق الأعداء، كافل المجد، وكافي الخلق، وواحد الدهر وغرة الدنيا. ومفزع الورى، وحسنة العالم، ونكتة الفلك الدائر، فبلغه الله تعالى أقصى نهايات العمر، كما بلغه أبعد غايات الفخر، وملكه أزمة الأرض، كما ملكه أعنة الفضل. وأدام حسن النظر للعباد والبلاد بإدامة أيامه، التي هي أعياد الدهر، ومواسم اليمن والأمن، ومطالع الخير والسعد، وزاد دولته شبابًا ونموًا، كما زاده في السن علوًا، حتى تكون السعادات وفد بابه، والبشائر قرى سمعه، والمسار غذاء نفسه، يترامى به الإقبال إلى حيث لا يبلغه أمل، ولا يقطعه أجل.
وبعد: فلمولانا الأمير الأجل شمس المعالي أدام الله علوه، وكبت عدوه عبيد ينتمون إلى شرف خدمته، وإن أقعدتهم العوائق عن كعبة الملك من حضرته، - حرسها الله وآنسها - ومنهم هذا العبد الذي شعاره الاعتزاء إلى خدمته، والاعتزاز بالعبودية لسدته. ودأبه خدمة الأدب، ومنادمة الكتب؛ ليتدرج منها إلى خدمة المجلس العالي - أدام الله جلاله وجماله - بما يجري في زمرة العبيد والخدم اسمه، ويجدد في صحيفة المتقربين إليه ذكره. وقد كان لما ورد الحضرة العالية - أدام الله علوها - ووصل منها إلى رواق العز، واكتحل بشخص المجد. خدمها بكتاب من بنات فكره، مترجم بالمبهج، فاشتمل عليه جناح القبول، وتفتق معه نور المأمول. وحين صدر عنها - وقد درت عليه سحائب الإنعام، وأجنت له ثمرات الإكرام، واستصحب الأمان من الزمان - تعاور المستعيرون انتساخ الكتاب، حتى
1 / 4
سار في البلاد، بل طار في الآفاق، وعليه من الإسم العالي - ثبته الله - طراز، به تنفق سوقه، وتهب ريحه. ومازال العبد يريد أن يشفع ذلك الكتاب بما يحفظ معه عادة الخدمة، ويقضي به بعض حق ولي النعمة. عند مشافهة السعادة بمعاودة الحضرة - حرسها الله وآنسها - فتعرض موانع، وتعترض قواطع، إلى أن استظهر بشعار الدولة - أنماها الله تعالى على ما يتشرف بالاسم العالي - ثبته الله، من كتاب في التمثيل والمحاضرة: إسلامي وجاهلي، وعربي عجمي، وملوكي سوقي، وخاصي وعامي، يشتمل على أمثال الجميع، ويضم نشر ما يجري مجراها من ألفاظهم، ويتضمن ما يأخذ مأخذها من فرائد النثر. وقلائد النظم، وفوائد الجد، ونوادر الهزل. فيوجد فيه ما يتمثل به من القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وجوامع كلم النبي ﷺ، وكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله، وكلام الصحابة والتابعين ﵃ بعده، وعيون أمثال العرب والعجم، وما يناسبها وما يشاكلها من نتف الخلفاء، وفقر الملوك والوزراء، ونكت الزهاد والحكماء، ولمع المحدثين والفقهاء، وحكم الفلاسفة والأطباء، وغرر البلغاء والشعراء، وملح المجان والظرفاء، وطرف السؤال والغوغاء، وما تختص به كل طبقة من هؤلاء، وما ينفرد به كل فرقة من الدهاقي والتجار، وسائر أهل الصناعات المتباينة الأقدار، ولا يعدم فيه ما يتمثل به من الشمس والقمر والنجوم، والآثار العلوية، والدهر والدنيا، وضروب الجمادات، وأنواع الحيوانات، وصنوف الأدوات والآلات، ولا يشذ عنه ما ينخرط في سلك الأمثال: من ذكر الأحوال والمحاسن والمساوئ والأوصاف.
وهو مفصل أربعة فصول:
1 / 5
الفصل الأول: في المدخل والأنموذج.
الفصل الثاني: في سياقة ما يجري مجرى الأمثال من الأقوال الصادرة عن طبقات الناس، وذوي المراتب المتباينة، والصناعات المختلفة، وذكر ما لهم وما عليهم، ووصف أحوالهم ومتصرفاتهم.
الفصل الثالث: فيما يكثر التمثل به من جميع الأشياء.
الفصل الرابع: في سائر الفنون والأغراض وهو مفصل أيضًا أربعة فصول: الفصل الأول منه: في ذكر أحوال الإنسان وأطواره المختلفة.
والفصل الثاني منه: في المحاسن ومكارم الأخلاق والممادح.
والفصل الثالث منه: في ذكر المقابح ومساؤئ الأخلاق.
والفصل الرابع منه: في فنون مختلفة الترتيب.
وقد حمله العبد إلى المجلس العالي - أدام الله تعالى شرفه - راجيًا وقوعه موقعه، ومنتظرًا تطول مولانا الأجل أدام الله بسطته وغبطته، بالإذن في عرضه عليه، وهو يسأل الله تعالى مسألة المبتهل إليه، الماد في التضرع إليه يديه، أن يديم إيناس الدنيا باتصال أيامه، ولا يعطلها عن التحلي بنضارة زمانه، وأن يجمع جميع آثار الدعوات الصالحة الصاعدة المستجابة له ولا يعدم المعالي والمكارم ظله بمنه وقدرته وسعة رحمته.
1 / 6
الفصل الأول من الكتاب
في المدخل والأنموذج مما يجري مجرى الأمثال من ذكر الله تعالى في فنون الأغراض والمقاصد من ذلك
لطائف التحميد
الحمد لله شعار أهل الجنة. الحمد لله الذي إذا شئت أنزلت حاجتي به من غير شفيع. الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه غيره، قاله: أبو شراعة وقد نظر في المرآة فرأى دمامة وجهه. الحمد لله الذي يقتل أولادنا ونحبه، قاله: عبد الملك بن مروان، وقد أصيب ببعض أولاده. بحمد الله لا بحمدك، قالته: عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها للنبي ﵊ حين نزلت آية الإفك.
ومن ذلك ما روي عن النبي ﵊: " من تواضع لله رفعه الله ". " من كثرت نعم الله لديه كثرت حوائج الناس إليه ". " إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم ". " إن الله يحب معالي الأمور، ويبغض سفسافها ". " التأني من الله، والعجلة من الشيطان ". " إذا أراد الله أمرًا يسر أسبابه ". " إن الله إذا أنعم على عبدٍ نعمةً أحب أن يرى أثرها عليه " عفو الله اكثر من ذنبي.
1 / 7
ومن ذلك ما صدر عن سائر السلف والحكماء والبلغاء: إن الله خص نفسه بالكمال، ولم يبرئ أحدًا من النقصان. الكمال لله ﷿. كم نعمة لله في عرقٍ ساكن. من صدق الله نجا. الدعاء من الله بمكان. في الله عوضٌ من كل فائت. ما أمر الله بشيءٍ إلا أعان عليه، ولا نهى عن شيءٍ إلا أغنى عنه. من افتقر إلى الله استغنى عن الناس. صنع الله غادٍ ورائح. لله لطائف. كم لله من صنعٍ خفيّ ولطفٍ حفيّ. إن الله علاّم الغيوب، ومن بيده أزمة القلوب. إن الله يقضي ما يريد، وإن رغم أنف الشيطان المريد. إن الله تعالى يمهل ولا يهمل. إنما يعجل من يخاف الفوت. لا تسأل إلا الله؛فإنه إن أعطاك أغناك.
ومن ذلك ما يقع في أنصاف الأبيات:
الله أنجح ما طلبت به
وسائل الله لا يخيب
ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل
وليُغلَبنَّ مُغالبُ الغلاّب
وما يشعر الإنسان ما الله صانع
وليس لرحلٍ حطه الله حامل
1 / 8
لا يشكر الله من لا يشكر الناسا
لا يذهب العرف بين الله والناس
ولله أوسٌ آخرون وخزرج
ولله سيفٌ لا تفلّ مُضاربه
الخير أجمع فيما يصنع الله
كفاية الله خيرٌ من توقينا
ومالا نرى مما يقي الله أكثر
قد يصلح الله أمام السّاري
وليس لما تبني يد الله هادم
ويأبى الله إلا ما يشاء
إذا الله سنّى عقد شيءٍ تيسرا
يعني أن الله تعالى إذا أراد أن يحلّ غقد أمرٍ تيسر.
ما صنع الله فهو خير
وكيف يُكرَم من لم يكرِم الله
من ذلك ما يقع في الأبيات السائرة:
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظّنِّ ما الله صانع
1 / 9
آخر:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
آخر:
ما كلف الله نفسًا فوق طاقتها ... ولا تجود يدٌ إلا بما تجد
أبو فراس:
إذا كان غير الله للمرء عدّةً ... أتته الرّزايا من وجوه الفوائد
آخر:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ... فأكثر ما يجنى عليه اجتهاده
البحتري:
من لا يقوم بشكر نعمة خلّه ... فمتى يقوم بشكر نعمة ربّه
آخر:
وما من يدٍ إلا يد الله فوقها ... وما ظالمٌ إلا سيبلى بظالم
آخر:
كلوا اليوم من رزق الإله وأبشروا ... فإن على الرحمن رزقكم غدًا
آخر:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنه ... له كل يومٍ في خليقته أمر
آخر:
من لم يكن لله متّهمًا ... لم يمس محتاجًا إلى أحد
1 / 10
آخر:
كم منةٍ لا يستقل بشكرها ... لله في طيِّ المكاره كامنة
آخر:
ليس ملك الذي يموت بملكٍ ... إنّما الملك ملك من لا يموت
آخر:
ومن ينعش مليك الدهر يرفع ... ومن يخفض فليس بذي انتعاش
ابن الرومي:
إن لله غير مرعاك مرعىً ... نرتعيه وغير مائك ماء
آخر:
إن لله بالبريّة لطفًا ... سبق الأمهات والآباء
بكر بن المضمر:
أتيأس أن ترى فرجًا ... فأين الله والقدر
أبو العتاهية:
أيا عجبًا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كلّ تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبدًا شاهد
وفي كل شيءٍ له آيةٌ ... تدل على أنه واحد
1 / 11
وله:
الله حسبي في جميع أمري ... به غناي وإليه فقري
أبو الفتح البستي:
كلّ ما يرتقي إليه بوهمٍ ... من جلالٍ وقدرةٍ وسناء
فالّذي أبدع البريّة أعلى ... منه سبحان خالق الأشياء
ابن المعتز:
فرغ الله من الرزق ومن ... مدة العمر ومن وقت الأجل
ابراهيم بن المهدي:
على المرء أن يسعى ويبذل جهده ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا
محمود:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
بعض أهل العصر:
إليك المشتكى لا منك ربي ... وأنت لنائبات الدهر حسبي
1 / 12
تروي غلتي وترم حالي ... وتومن روعتي وتزيل كربي
" من ذلك ما يجري على السنة العوام ". الخيرة فيما يصنع الله. استر ما ستره الله. كن مع الله على العلات. الفقر من الله وليس الوسخ من الله. من عادى مجدودًا فقد عادى الله. مِن عبد الله في خلق الله. لا يعلم ما في الحق غير الله والإسكاف. برئت من ربٍ يركب الحمار. إذا جاء نهر الله بطّل نهر معقل.
أنموذج
ما يمثل به من التوراة
من يظلم يخرب بيته. ارحم من في الأرض، يرحمك من في السماء. الغنية في القناعة، والسلامة في العزلة. الحرية في رفض الشهوات. أوحى الله إلى الدنيا: من خدمك فاستخدميه، ومن خدمني فاخدميه. من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف كل شيء. أكثر ما يخاف العبد لا يكون. تريد وأريد، ولا يكون إلا ما أريد. يا موسى: من أحبني لم ينسني، ومن رجا نعمتي ألح في مسألتي. المال يفنى، والبدن يبلى، والأعمال تحصى، والذنوب لا تنسى. ليكن وجهك بشًا، وكلمتك لينة تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة. إذا كان في البيت برٌ فتعبد، وإذا لم يكن فاطلب.
1 / 13
ومن الإنجيل
ارج إذا خفت، وخف إذا رجوت. عمرك أنفاسٌ معدودة. وعليها رقيبٌ يحصيها. لا تنسَ الموت، فإنه لا ينساك. في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق. العافية ملك خفي والهم نصف الهرم. صديق الوالد عم الولد. الرشوة تعمي عين الحكيم فكيف عين الجاهل؟ ابن آدم حريصٌ على ما منع. ابك مع الباكين، واضحك مع الضاحكين.
ومن الزبور
تاجروا الله بالصدقة تربحوا من كثر عدوه فليتوقع الصرعة. لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك. من بلغ السبعين اشتكى من غير علة. الشيب نوري، وأنا أستحيي أن أحرق نوري بناري. العدل ميزان الباري؛ فلذلك هو مبرأٌ من كل زللٍ وميل. إذا ظلمت من دونك، فلا تأمن عقاب من فوقك.
ومن كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
قال رجل ليوسف ﵇: إني أحبك يا صفي الله، فقال: هل أتيت إلا من محبة الناس لي: أحبني أبي فحسدني إخوتي حتى ألقوني في الجب، وأحبتني امرأة العزيز فلبثت بضع سنين في السجن، فلست أحب أن يحبني إلا ربي.
وقيل له: أتجوع وفي يدك خزائن الآرض، قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجياع.
1 / 14
ولما التقى مع أبيه على نبينا وعليهما الصلاة والسلام قال له أبوه: ما صنع إخوتك؟ قال: يا أبتِ لا تسألني عن صنيع إخوتي، ولكن سلني عن لطف ربي.
قال داوود لسليمان عليهما الصلاة والسلام: يا بني لا تشترِ عداوة واحدٍ بصداقة ألفٍ. يا بني: امشِ خلف الأسد والأسود، ولا تمشِ خلف امرأةٍ.
وقيل لأيوب ﵊: ما أشد ما مر بك من البلاء؟ قال: شماتة الأعداء.
عيسى ﵊ قال: الدنيا قنطرةٌ فاعبروها ولا تعمروها. استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر. عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما، وأعياني علاج الأحمق. لا تنطقوا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم. لا تكونوا كالمنخل، يمسك النخالة ويرسل الطحين. لا تطرحوا الدر تحت أرجل الخنازير، يعني: العلم. مثل الدنيا والآخرة كمثل رجلٍ له ضرتان، كلما أرضى إحداهما أسخط الأخرى. ما أكثر الأشجار، ولكن ليس كلها بمثمر. وما أكثر الثمار وليس كلها بطيب. وما أكثر العلوم، وليس كلها بنافع. وما أكثر العلماء، وليس كلهم بمرشد. ومرّ بقتيلٍ فقال: قتلتَ فقتلتَ، وسيقتل قاتلك.
أنموذج
من أمثال العرب
يتمثل من ألفاظ القرآن بأحسن منها وأبلغ
العرب تقول فيمن يعيّر غيره بما هو فيه: " عيّر بجيرٌ بُجَرَةَ نسي بُجيرٌ خبره. وفي
1 / 15
القرآن: " وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه " وفي معاودة العقوبة عند معاودة الذنب: " إن عادت العقرب عدنا لها ". وفي القرآن: " وإن عدتم عدنا "، " وإن تعودوا نعد ". وفي ذوق الجاني وبال أمره: " يداك أوكتا وفوكَ نفخَ ". وفي القرآن: " ذلك بما قدمت أيديكم ". وفي قرب اليوم من غد: " وإن غدًا لناظره قريب ". وفي القرآن " أليس الصبح بقريبٍ " وفي ظهور الأمر: " قد بين الصبح لذي عينين ". وفي القرآن: " ألآن حصحص الحق ". وفي الإساءة إلى من لا يفيد الإحسان إليه: " إعطِ أخاك تمرةً، فإن أبي فجمرة " وفي القرآن: " ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرينٌ " وفي فوت الأمر: " سبق السيف العذل ". وفي القرآن: " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ". وفي الوصول إلى المراد ببذل الرغائب: " من ينكح الحسناء يعط مهرها "، وفي القرآن " لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون ". وفي منع الرجل من مراده: " حيل بين العير والنزوان " وفي القرآن: " وحيل بينهم وبين ما يشتهون ". وفي تلافي الإساءة: " عاد غيثٌ على ما افسد " وفي القرآن: " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ". وفي اختصاص كل مقام بمقال: " لكل مقامٍ مقال " وفي القرآن: " لكل نبا مستقرٌ ".
1 / 16
ومن أمثال العجم والعامة
يتمثل في معانيها بألفاظ القرآن
العجم تقول: من أحرق كدسه تمنى إحراق كدس غيره، وفي القرآن: " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً ". العجم والعامة: من حفر بئرًا لغيره سقط فيها، وفي القرآن: " ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ". شاعر:
كل امرىءٍ يشبهه فعله ... ما يفعل المرء فهو أهله
وفي القرآن: " قل كلٌ يعمل على شاكلته ". العامة: " كلِ البَقْلة ولا تسأل عن المبقلة "، وفي القرآن " لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ". شاعر:
أنموذجكم مرةٍ حفت بك المكاره ... خار لك الله وأنت كاره
وفي القرآن: " وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم " وفي القرأن أيضًا: " فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا ".
1 / 17
العامة: " المأمول خيرٌ من المأكول " وفي القرآن: " وللآخرة خيرٌ لك من الأولى ". العجم: " لو كان في البوم خيرٌ ما سلم من الصّائد " وفي القرآن: " ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ". المتنبي: " مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد " وفي القرآن: " وإن تصبكم سيئةٌ يفرحوا بها ". شاعر " عند الخنازير تنفق العذرة " وفي القرآن: " الخبيثات للخبيثين ". العامة: " لم يرد الله بالنملة صلاحًا إذا أنبت لها جناحًا ". وفي القرآن: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً " العجم: " الكلب لا يصيد كارهًا ". وفي القرآن: " لا إكراه في الدين ". العجم: " كل شاةٍ برجلها ستناط " وفي القرآن: " كل نفسٍ بما كسبت رهينة ".
ومن سائر ما يجري مجرى الأمثال
في ألفاظ القرآن
" ما على الرسول إلا البلاغ ". " ثم جئت على قدرٍ يا موسى ".
1 / 18
" كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً ". أليس منكم رجلٌ رشيدٌ ". آلآن وقد عصيت من قبل ". ما على المحسنين من سبيل ". تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى ". " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ". " ولا ينبئك مثل خبير ". هيهات هيهات لما توعدون ". كل حزبٍ بما لديهم فرحون ". لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ". هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ". قل لا يستوي الخبيث والطيّب ".
ما يتمثل به من قصص الأنبياء
يضرب المثل بسفينة نوح، وغراب نوح، ونار ابراهيم، وذئب يوسف، وحوت يونس، وعصا موسى، وخاتم سليمان، وناقة صالح، وحمار عزير. ويقال: فلان وصيٌّ آدم. إذا كان متكفلًا بمصالح الناس؛ فإذا كان عالي السن قيل: قد نشأ مع نوحٍ في السفينة. وإذا كان مبطئًا فيما يرسل له قيل: هو غراب نوح. وقيل للحسن رحمه الله تعالى: أيكذب المؤمن للمؤمن؟ فقال: أنسيتم إخوة يوسف؟ وكان يقال: لا يغرنكم البكا فإن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً يبكون.
1 / 19
ويضرب المثل ببراءة الساحة بذئب يوسف، كما قال الشاعر:
عليّ والله فيما لفقوا كذبوا ... ككذب أولاد يعقوب على الذيّب
ويقال في عود الحبيب إلى المحبّ: قد رد الله يوسف على يعقوب. وفي حسن الموقع: كأنه قميص يوسف في عين يعقوب. ويستحسن قول أبي طالب المأموني:
وكنت يوسف والأسباط هم وأبو ال ... أسباط أنت ودعواهم دمًا كذبا
ومن أمثال قصة موسى قولهم: الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين. يريدون قوله عز اسمه: " ففررت منكم لمّا خفتكم " وقولهم: فلانٌ من قوم موسى، إذا كان ملولًا. قال الشاعر أبو نواس:
أراك بقيّةً من قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام
ويقال بيت فلانٍ أفرغ من فؤاد أم موسى. ويقال لكل نبيٍ فرعون، فمن لم يرض بحكم موسى فقد رضي بحكم فرعون. وينشد لابن بسام: كلم الناس فإن م الله قد كلّم موسى
لست روح الله عيسى ... إنما أنت ابن عيسى
وينشد لأبي نواس:
فإن يكُ باقي إفك فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب
1 / 20
ولغيره:
إذا جاء موسى وألقى العصا ... فقد بطل السّحر والسّاحر
وقال بعض السلف: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى ذهب يقتبس نارًا فكلمه الله تكليما. ويقال: فلانٌ خليفة الخضر، إذا كان يديم السفر ويكثر المسير. ويقول من ينبه على براءة ساحته: إني لم أعقر ناقة صالح. وينشد فيمن يستعين بالبعيد وعنده ما هو أقرب مأخذًا وأحسن أثرًا منه:
وذي علّةٍ يأتي عليلًا ليشتفي ... به وهو جارٌ للمسيح بن مريم
ويقال: فقرٌ كفقر الأنبياء؛ لأن فقراءهم أكثر من أغنيائهم.
ومما يتمثل به من أحوال المصطفى
﵊
لابن الرومي:
فكم أبٍ قد علا بابنٍ ذرى شرفٍ ... كما علا برسول الله عدنان
لغيره:
وكذاك قد ساد النبي محمدٌ ... كلّ الأنام وكان آخر مرسل
لأبي تمّام:
هذا النبي وكان صفوة ربّه ... من بين بادٍ في الأنام وقار
قد خص من أهل النّفاق عصابةً ... وهم أشدّ أذىً من الكفّار
حتى استضاء بشعلة السور التي ... رُفعت له سجفًا عن الأسرار
1 / 21
وله أيضًا:
فهل من جاء بعد الفتح يسعى ... كصاحب هجرتين مع النبي
ابن الحجاج:
لا عار لا عار في الفرار فقد ... فرّ نبيّ الهدى إلى الغار
ومما يتمثل به من أقواله التي هي جوامع الكلم
القليلة الألفاظ الكثيرة المعنى
من ذلك ألفاظ له ﵊ لم تسبقه العرب إليها كقوله: " إياكم وخضراء الدّمن ". " كل الصيد في جوف الفرا ". " مات فلانٌ حتف أنفه ". " لا تنتطح فيها عنزان ". هدنةٌ على دخن، وجماعةٌ على أقذاء ". " إنّ المنبتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى ". يضرب لمن حمّل على دابته فوق طاقتها، فيبقى منقطعًا به. " نصرت بالرّعب ". أوتيت جوامع الكلم ". " الآن قد حمي الوطيس ". " الإيمان قيّد الفتك ". " يا خيل الله اركبي ". " اشتدي أزمة تنفرجي ".
ومن ذلك ما أجراه في عُرض كلماته
غير قاصد به ضرب مثل وإرسال فقرة فتمثل الناس به
كقوله ﵊: " حوالينا ولا علينا ". " حولها ندندن ". " سلمان منا أهل البيت ". " سبقك بها عكاشة ". " رفقًا بالقوارير " قاله لأنجشة،
1 / 22