تمهید تاريخ فلسفه اسلامی
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
ژانرها
وقد روى ابن عبد البر في كتاب «مختصر جامع بيان العلم وفضله»: «عن معاذ أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، لما بعثه إلى اليمن قال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال أجتهد رأيي لا آلو، قال: فضرب بيده في صدري، وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله.»
وروى ابن عبد البر أيضا: عن ابن عمر، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، يوم الأحزاب: «لا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة.» فأدركهم وقت العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي ولم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي
صلى الله عليه وسلم ، فلم يعنف واحدة من الطائفتين، قال أبو عمر: هذه سبيل الاجتهاد على الأصول عند جماعة الفقهاء.
66 (2-3) الاجتهاد بالرأي هو بداية النظر العقلي
هذا الاجتهاد بالرأي في الأحكام الشرعية هو أول ما نبت من النظر العقلي عند المسلمين، وقد نما وترعرع في رعاية القرآن وبسبب من الدين، ونشأت منه المذاهب الفقهية وأينع في جنباته علم فلسفي هو علم «أصول الفقه»، ونبت في تربته التصوف أيضا كما سنبينه، وذلك من قبل أن تفعل الفلسفة اليونانية فعلها في توجيه النظر عند المسلمين إلى البحث فيما وراء الطبيعة والإلهيات على أنحاء خاصة.
والباحث في تاريخ الفلسفة الإسلامية يجب عليه أولا أن يدرس الاجتهاد بالرأي منذ نشأته الساذجة إلى أن صار نسقا من أساليب البحث العلمي، له أصوله وقواعده.
يجب البدء بهذا البحث؛ لأنه بداية التفكير الفلسفي عند المسلمين، والترتيب الطبيعي يقضي بتقديم السابق على اللاحق، ولأن هذه الناحية أقل نواحي التفكير الإسلامي تأثرا بالعناصر الأجنبية، فهي تمثل لنا هذا التفكير مخلصا بسيطا يكاد يكون مسيرا في طريق النمو بقوته الذاتية وحدها، فيسهل بعد ذلك أن نتابع أطواره في ثنايا التاريخ، وأن نتقصى فعله وانفعاله فيما اتصل به من أفكار الأمم.
صفحه نامشخص