ونقول اذا لاح ان معطى هذه المعرفة هو عقل برىء عن المادة، وكان قد تين فى العلوم الالاهية ان هذه القول المفارقة انما تعقل الطبائع الكلية، وكانت انما تعطى شبيه ما فى جوهرها، لم يمكن ان تعطى معنى شخصيا اصلا، اذ ليس فى طباعها ادراك ذلك المعنى الجزئى، وانما تتشخص تلك الصورة الكلية فى الهيولى، اعنى من جهة انه ليس لها قوام الا بالهيولى. ولو كان للعقول المفارقة ادراك شخصى، لكانت ضرورة هيولانية، فكانت لا تفعل الا بمماسة فعل وانفعال. واذا لم تعقل تلك العقول المعانى الشخصية فكيف، ليت شعرى، يعطى العقل الفاعل هذه الصورة الشخصية المخصوصة بالزمان والمكان وبالصنف الواحد من الناس وبالشخص الواحد من الصنف فانا نرىء نرى المرء انما يدرك من هذه الاشياء ويتقدم له فى النوم الانذار بحدوثها ما كان خاصا بجسمه او نفسه او قراباته او اهل مدينته او قومه، وبالجملة من كان عرفه. فالشك هاهنا فى موضعين: احدهما كيف تحصل الامور الجزئية من الطبيعة الكلية؛ والموضع الثانى، لم اختص هذا الاعطاء من الجزئيات الخاصة بالانسان الذى القى عليه العلم بذلك. فان القول فى هذه الاشياء، وإن كان معتاصا جدا بحسب الادراك الانسانى، فواجب ان يبلغ من ذلك اقصى ما فى طباعه بلوغه، اذ كان جوهر السعادة ليس شيئا اكثر من هذا.
صفحه ۷۵