إِن اللذة هو تغير إِلى هيئة تحدث بغتة عن إِحساس طبيعي للشيء الذي أَحس، أَعني إِذا كان المحسوس طبيعيا للحاس. والحزن والأَذى ضد هذا، أَعني أَنه تغير إِلى هيئة تحدث بغتة عن إِحساس غير طبيعي. وإِذا كانت اللذة هذه صفتها، فهو بيّن أَن الذيذ هو المحسوسات التي تَفعلُ هذه الهيئة في النفس. والمؤذيات ضد هذه، أَعني المفسدات لهذه التي تفعل ضد هذه الهيئة في النفس الحسية. وإِذا كانت اللذيذات هي هذه، فمن الواجب أَن ما كان منها بالطبع بهذه الصفة أَن يكون أَكثر لذة ولا سيما إِذا كانت هذه الهيئة انفعالا لا فعلا. وإِنما صار الذي بالخلق والعادة لذيذا، لأَن الشيء الذي يتخلق به أَو يعتاد يصير كالشيءِ الذي هو بالطبع لذيذ دائما من قبل أَن العادة تشبه الطبيعة. وذلك أَن الذي يكون مرارًا كثيرة قريب من الشيء الطبيعي وهو الذي يكون دائما. والعادة تكون مرارًا كثيرة، فهي قريبة من الأَمر الطبيعي. والأَمر الطبيعي يكون بلا استكراه. ولذلك كان الإِكراه مؤذيا محزنا، كما قال شاعر اليونانيين: إِن كل أَمر يكون باضطرار فهو مؤذٍ محزن.
قال: والعناية بالشيءِ والجد والتعب مؤذيات، لأَنها تكون قسرًا وبالكره إِن لم يعتدها. فأَما أَضداد هذه فلذيذات، مثل الكسل والتواني ومخالفة تقديرات الشرع للأَفعال والتودع والنوم من الأُمور اللذيذة، لأَنه ليس شيءٌ من هذه باضطرار. وحيث كانت الشهوة، فهناك اللذة، لأَن الشهوة هي تشوق إِلى اللذات. والشهوات منها نطقية، ومنها غير نطقية، وأَعني بغير النطقية كل ما اشتهى لا من قبل الرويّة والفكر. وهذه هي التي يقال فيها إِنها مشتهاة بالطبيعة كالشهوات المنسوبة إِلى الجسد مثل شهوة الغذاءِ المسماة جوعا، وشهوة الماءِ المسماة عطشا، وأَنواع الشهوات المختصة بنوع نوع من أَنواع الطعوم، وبالجملة: كل ما ينسب إِلى حس اللمس وحس الشم، مثل النكاح والطعام والشراب والروائح الطيبة. فأَما شهوات السمع والبصر فإِنهما يشتهيان مع نطق ما، أَعني أَنه ليس تنشأ شهواتهما معراة من النطق ابتداء، كالحال في شهوة المطعوم والمنكوح. والسبب في ذلك أَن هاتين الحاستين أَكثر مشاركة للنطق من غيرهما. وذلك أَن السمع يشارك النطق من جهة الأَلفاظ؛ ويشارك البصر النطق من جهة الخطوط والإِشارة المستعملة عند التخاطب. والسمع أَشد مشاركة للنطق من البصر؛ وذلك ما يشتهى المرءُ كثيرا أَن يرى ما سمع، وليس يشتهي أَن يسمع ما رأَى. لأَن الالتذاذ الحسي هو نوع من الانفعال الجسماني أَكثر.
1 / 37