فقد يجب إِن يكون للخطيب أصول وقوانين يعرف بها الأَشياءَ النافعة في الغايات، وهي العواقب إِذ كانت هي أول العمل. والنافعات وإِن لم تكن خيرًا مطلقا فهي خير لأَنها طريق إِلى الخير بإِطلاق. فالخير المطلق هو الذي يختار من أجل نفسه، ويختار غيره من أجله، وهو الذي يتشوق إِليه الكل، وأعني هاهنا بالكل ذوي الفهم الحسن من الناس والذكاءِ. وذلك قد يكون خيرا في الحقيقة، وقد يكون خيرا في الظن، وذلك بحسب اعتقاد إِنسان إِنسان في هذا الخير. ولذلك إِذا كان الشيءُ الذي يعتقد فيه الإِنسان هذا الاعتقاد موجودا له فقد اكتفى به ونال حاجته ولم يبق له تشوق إِلى شيء أصلا. والأَشياءُ النافعة في هذا الخير هي بالجملة أربعة أجناس: الأَشياءُ الفاعلة، والأَشياءُ الحافظة له، وما يلزم الحافظة، وما يلزم الفاعلة. وذلك إِن لازم الشيء يعد مع الشيء. وكذلك أيضا يعد لازم المفسد مع المفسد، ولازم ضد الفاعل مع ضد الفاعل في الأَشياء التي ينهى عنها. ولزوم الغاية للفاعل ربما كان معا مثل ما يلزم المدح اقتناء الأَشياء الممدوحة، وربما كان متأخرا مثل العلم الذي يتبع التعلم بأخرة.
والأَشياءُ الفاعلة ثلاثة أصناف: إِما بالذات، وإِما بالعرض. والذي بالذات اثنان، إِما قريب مثل فعل الغذاء الصحة، وأما بعيد مثل الطبيب. والذي بالعرض مثل فعل التعب في الرياضة للصحة. وإِذا كان واجبا إِن تكون أصناف الأَشياء الفاعلة للخير هي هذه الأَصناف الثلاثة، فباضطرار إِن تكون الأُمور النافعة في الخير بعضها خير في ذاته مثل نفع الغذاء في الصحة وبعضها شر في ذاته وخير ما بحسب نفعه في الخير مثل شرب الدواء للصحة. والشرور التي تنفع في الخير هي نافعة على وجهين: أحدهما إِن يستفاد بها خير هو أعظم من الشر اللاحق من استعمالها مثل استفادة الصحة عن شرب الدواءِ، ومثل المشقة اليسيرة في استفادة المال الكثير. ومنها ما تنال به السلامة من شر هو أعظم من الشر الذي ينال منها، مثل ما ينال رُكَّابُ البحر من السلامة إِذا طرحوا أمتعتهم. فإِن طرح أمتعتهم شر، لكن تستفاد منه السلامة من شر هو أعظم وهو العطب. والخيرات التي تستفاد من الخيرات يسميها أرسطو فوائد بإِطلاق، وأما تلك فيسميها انتقالا. ويعني بذلك أنها انتقال من شر إِلى ما هو أخف شرا منه أو انتقال من شر إِلى ما هو خير.
قال: والفضائل وإِن كانت غايات فهي أيضا خيرات في أنفسها ونافعة في الخير. فإِن المقتنين لها هم بها حسنو الأَحوال. وهي مع هذا فاعلة للخير ومستعملة فيه.
قال: وقد ينبغي إِن نخبر عن كل واحد من هذه وكيف هي خير في نفسها وكيف هي فاعلة للخير ونفصل الأَمر في ذلك. واللذات أيضا هي خير بنفسها لأَن جميع الحيوان يشتاق إِليها. والأُمور اللذيذة إِنما تكون خيرًا إِذا كان بها الملتذ حسن الحال. وقد يستبين من التصفح أنها خير وأنها أيضا قد تكون نافعة في الخير. وأجزاءُ صلاح الحال بالجملة منها ما هي غايات فقط، ومنها ما قد تعد غايات وهي نافعة أيضا في الغايات؛ وذلك إِن لبعضها ترتيبا عند بعض، أعني إِن بعضها علة لوجود بعض ومتقدم عليه. ومثال ذلك إِن الشجاعة والحكمة والعفاف وكبر النفس والنبل وما أشبهها من فضائل النفس قد تختار أشياء كثيرة من أجزاءِ صلاح الحال من أجلها. وكذلك الصحة والجمال من فضائل الجسد قد تختار أشياء من أجلها هي من صلاح الحال وهي فاعلاتها. وكذلك تختار فاعلات أشياء أخر من صلاح الحال مثل فاعلات اللذة وفاعلات السيرة الحسنة. ولذلك ما يظن باليسار أنه خير، إِذ كان سببا لهذين الأمرين الشريفين: أحدهما اللذة، والآخر حسن السيرة. وصلاح الحال بكثرة الإِخوان قد يوجد فاعلا لأَشياء كثيرة من الخيرات. وذلك إِذا كانت الصداقة التي بينهما من أجل المحبة نفسها، لا إِن تكون المحبة بينهما من أجل شيءٍ آخر. فإِن الإِخوان اللذين بهذه الصفة هم يفعلون الكرامة والتمجيد بغير ذلك مما يجري مجراهما من الخيرات. وذلك يكون منهم بالقول والفعل. فإِن الأَقوال والأَفعال التي تفعل بها الكرامة والتمجيد وغير ذلك مما يجري مجراهما هي خير ونافع.
1 / 20