وإِذ قد تبين ذلك فينبغي إِن نبتدئ بتعديد المقدمات التي تخص غرضا غرضا من الأَغراض الثلاثة ونجعل الكلام أولا في تعديد المقدمات المشورية، ثم ثانيا في التثبيتية، ثم ثالثا في المشاجرية.
فأول ما يجب إِن ننظر فيه من أمر الأَشياءِ التي يشار بها ما هو الخير الذي يشار به. فإِنه ليس تكون المشورة في كل خير، لكن في الخيرات التني تستطيع إِن تكون أو إِن لا تكون. فأما الخيرات التي كونها أو لا كونها من الاضطرار، فليس تكون فيها مشورة. ولا أيضا المشورة تكون في جميع الخيرات الممكنة، فإِن هاهنا خيرات ممكنة وجودها عن الطبيعة، بل في الخيرات الممكنة التي إِلينا إِن تكون أو إِن لا تكون، وهي الأَشياءُ التي التي بدءُ كونها من قبل الاختيار والإِرادة. ومن هذه فيما كان وجوده أو لا وجوده تابعا لرويتنا وأفعالنا على الأَكثر. وأما ما كان منها يعرض عن الروية بالاتفاق وأقل ذلك، فليست هي في الأَكثر مما يشار بها، إِلا حيث لا يمكن إِن يوجد الجنس الآخر. وقد يدل على إِن االإِشارة إِنما تكون بهذه الأَشياءِ إِن الإِنسان إِنما ينظر أولًا هل الأَمْرُ الذي يريد إِن يفعله ممكن أو غير ممكن، ثم إِن كان ممكنًا، بأي شيءٍ يمكن وكيف يمكن. فإِذا تبين له ذلك، شرع في السعي فيه. وإِن تبين له أنه غير ممكن، خلا عنه. والأَشياءُ التي بها نشير هي التي فيها نروى. فقد تبين من هذا القول ما هو الخير الذي نشبر به وفي أي الأَشياءِ يكون، وهي الأُمور الإِرادية التي مبدأ وجودها منا، لا الأُمر الاضطراراية التي ليس إِلينا وجودها. وإِعطاء الفرق التام بين الأَشياءِ الإِرادية وغير الإِرادية وتصحيح عدد أنواعها ومعرفة ماهية كل واحد منها على أقصى ما في طباعها إِن تعلم فليس من شأن هذه الصناعة إِن تبلغه من معرفة الأَشياءِ الإِرادية، ولكن ذلك من شأْن صناعة الفلسفة التي لها الفضل على هذه في التصور والتصديق، والمقدمات المستعملة فيها أصدق وأصح من هذه. وذلك إِن هنا لسنا نتكلف من معرفة هذه الأَشياء الأَحوال الذاتية المناسبة لها، بل الأُمور المشهورة. وإِذا كان الأَمر في هذه الأَشياء كما وصفنا، فقد تبين أيضا من هذا القول إِن جميع ما قلناه في أجزاءِ هذه الصناعة هو حق، أعني أنها مركبة من علم المنطق ومن علم السياسة الخلقية وأن فيها أشياء جدلية أو شبيهة بالأَشياء الجدلية وأيضا سوفسطائية أو شبيهة بالسوفسطائية. والأَشياءُ التي في صنائع كثيرة إِنما تكون أجزاء أجزاء لصناعة واحدة متى أخذ جميعها بالجهة والحال التي تكون بها تلك الأَشياءُ الكثيرة متعاونة ونافعة في غرض تلك الصناعة الواحدة، وطرح منها الأَحوال التي بها تختلف، أعني الأَشياء التي ليست تكون بها مغنية في غرض تلك الصناعة الواحدة. وإِذا كان ذلك كذلك، فالأَشياءُ الخلقية إِنما صارت جزءًا من هذه الصناعة من حيث هي معدة نحو الكلام والمخاطبة، وهي من صناعة السياسة من حيث هي أحد الموجودات التي نقصد معرفتها وعلمها. والأَشياءُ الجدلية والسوفسطائية إِنما صارت جزءًا من هذه الصناعة من حيث إِن الذي تستعمل منها هذه الصناعة هو سابق المعرفة الأُولى للإِنسان، لا ما هو بعيد عن معرفة الجمهور، مثلأنها إِنما تستعمل من القياس القياس المعروف عند الجمهور وهو التمثيل والضمير. وكذلك الحال في الأُمور السوفسطائية إِنما تستعمل منها ما جرت العادة باستعماله عند الجمهور، مثل مواضع الإِطلاق والتقييد وغير ذلك مما يستعمله بطباعهم الجمهور. فهي إِنما تخالف هذه بمقدار النظر. وقد تخالف أيضا بمقدار النظر هذه الصناعة في الأُمور الإِرادية النظر الذي للعلم السياسي فيها، أعني أنها إِنما تنظر في الأُمور الإِرادية النظر الذي هو في سابق المعرفة للإِنسان وتدع تقصي النظر في ذلك للعلم السياسي.
والأُمور التي يشير بها الخطيب منها ما يشير به على أهل مدينة بأسرهم، ومنها ما يشير به على واحد من أهل تلك المدينة أو جماعة. فأما الأَشياءُ التي تكون فيها المشورة في الأُمور العظام من أمور المدن فهي قريبة من إِن تكون خمسة: أحدها الإِشارة بالعدة المدخرة من الأَموال بللمدينة. والثاني: الإِشارة بالحرب أو السلم. والثالث الإِشارة بحفظ الثغر مما يرد عليه من خارج. والرابع الإِشارة بما يدخل في البلد ويخرج عنه. والخامس الإِشارة بالتزام السنن.
1 / 14