يقول: أشوح اللحمة الأول. - متسيبها للصبح. - بعدين تبوظ.
ينحني ويرفع ملاءة السرير. أحذية وأطباق وصناديق وأوان معدنية. علبة الحقنة الشرجية الصاج. يجذب حلة معدنية. يبحث عن غطائها حتى يجده. يغادر الغرفة فأتبعه. يتناول لفافة اللحم ويفض محتوياتها في الحلة. يتجه إلى مدخل طرقة مظلمة في مواجهة حجرتنا. كنيف لا ينغلق بابه وتنبعث منه رائحة كريهة. حمام مغلق ثبت بابه بلوح من الخشب. حوض مياه من الصاج مثبت في الحائط تطل عليه حنفية. يغسل اللحم جيدا. يخطو إلى نهاية الطرقة حيث المطبخ. يدخله وأنا متعلق بملابسه من الخلف. يخرج علبة ثقاب ويشعل منها عودا. يسقط الضوء على جانب من الحائط مبلل بالمياه. مائدة خشبية فوقها وابور كيروسين «بريموس». يفعص بقدمه صرصورا أحمر كبير الحجم. يضغط كباس البريموس عدة مرات ثم يشعل عود ثقاب ويقربه من الفونية. تتوهج النار. تستوي الحلة فوق النار. ألتصق به وأغمض عيني. تدلي «ست الحسن» جدائل شعرها الطويل من النافذة ليرتقيها الشاطر «حسن». وعند الظهر يظهر الغول قادما من بعيد. كتلة ضخمة أشبه بلفائف كبيرة من الشعر يطوحها الهواء تجتاح الفضاء وتنثر معها الغبار والعفار. يقف تحت النافذة ويصيح ب «ست الحسن»: «دلي شعورك الطوال، خدي الغول أحمد من حر الجبال».
الموقد يئز. تتنوع ألوان شعلته. يقلب اللحم بملعقة. يرفع الحلة ويتخلص من مائها في الحوض.
أسأل: لسه؟
يقول إنه لا بد من غلي اللحم جيدا للقضاء على الميكروبات.
يفتح برطمان السمن ويأخذ منه ملعقتين، يضعهما في الإناء، يقلب اللحم عدة مرات ثم يضيف الماء. يلقي به نتفة من الملح وأخرى من الفلفل الأسود. يغطيه.
يصحبني إلى الكنيف المفتوح لأتبول. أشكو من الرائحة فيقول إن السيفون تالف. أردد آية «الكرسي» كما علمني. يدفعني في رفق لأصعد فوق قاعدة الكنيف الحجرية. أقاوم فيصعد معي ليقف بجواري. يمسكني من كتفي بينما أفك أزرار سروالي. أرفع نظري إلى الجدران. يسقط شعاع من ضوء الصالة الضعيف على بقع كبيرة سوداء. تتحرك إحدى البقع فجأة صاعدة إلى أعلى. أتشبث بملابس أبي. يقول: متخفش، ده «أبو شبت».
نعود إلى المطبخ فيقلب اللحم ثم يضيف مزيدا من الماء. ينتظر قليلا حتى تغلي. يطفئ الموقد. يحمل الحلة إلى الصالة وأنا ملتصق به. يتركها فوق البوفيه. نعود إلى الطرقة فيغسل يديه بالصابون.
ندخل الغرفة. يغلق الباب بإحكام. يهتز باب البلكونة بعنف. يقول أبي إنها رياح «أمشير أبو الزعابيب». يتناول جلبابا قديما من فوق الشماعة فيسد الثغرة التي تفصل بين الباب والبلاط العاري. يضع قطعة قماش أخرى أسفل باب البلكونة. يتأمل الفراغ بين الدولاب والحائط. يركع على الأرض ويتفحص المسافة الضيقة الفاصلة بين قاعدة الدولاب والبلاط. يجذب مصراعي الدولاب ويدقق النظر داخله. ينحني ويرفع طرف ملاءة السرير. يلهث من المجهود. يخلع الروب ويعلقه في المشجب. يتلو:
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .
صفحه نامشخص