يتحدثان عن الغارة. يقول أبي إننا أخطأنا بقبول الهدنة. يقول اللواء إنها كانت ضرورية بسبب فداحة خسائرنا. كما إننا محاصرون في «الفالوجا». واليهود منعوا الماء عن رجالنا فاضطروا لأن يشربوا بولهم. يسخر مما نشر في الصحف عن حديث بين «حيدر» باشا وزير الدفاع وأحد الوزراء . قال له الوزير: شيد حيلك يا باشا، عاوزين نعيد في «تل أبيب». يعلق اللواء: يبقى يقابلني.
ينتقل الحديث إلى أزمة المساكن. يقول أبي: تصور الشقة بقت بخلو 300 جنيه. يقول اللواء وهو يتناول مجلة مصورة: شفت الحكم على قتلة «أمين عثمان»؟ «أنور السادات» طلع براءة. يضع المجلة جانبا ويقول: كان ضابط عندي. محبتوش أبدا. خنيث. أتناول المجلة. أتأمل صورة «السادات». ملابسه أنيقة. عقدة ربطة العنق أصغر من المألوف. حليق شعر الرأس والذقن. الحلاقة وفقا للموضة التي تخفف الشعر المحيط بالأذنين.
ينادي اللواء على الخادمة ويطلب منها استدعاء ولديه. كبيران طويلا القامة. يقفان في رهبة عند الباب. يسأل أكبرهما: حضرتك عاوز حاجة؟ يأمرهما باصطحابي. نذهب إلى غرفة ضيوف أخرى. نجلس فوق سجاد سميك داكن الحمرة. تحضر الخادمة صينية كبيرة من الياميش. أتناول الكسارة وبندقة. يستأنفان لعبة كوتشينة ثنائية سريعة لا أتمكن من متابعتها. يقترح أكبرهما رهانا على فوز «أبو حباجة» في أوليمبياد «لندن» آخر الشهر. أسأل: «أبو حباجة» مين؟ يقول الأصغر: حد ميعرفش بطل النادي الأهلي؟ يؤكد شقيقه: أعظم لعيب كورة في العالم.
أنهض وأطوف بالغرفة. أجلس فوق أريكة. وسائدها وثيرة ملونة بألوان داكنة. على الجدار صور للولدين مع أبيهما وأقارب آخرين. أنهض. الولدان منهمكان في اللعب. أتسلل من الغرفة إلى الصالة. مظلمة. في نهايتها غرفة مضاءة. أقترب منها. أسمع صوت تلاوة القرآن. أطل بحذر. شيخ بعمامة وجبة فضفاضة متربع فوق كنبة بلدية. يده على خده. يتلو وهو يميل بجسمه يمنة ثم يسرة. تنتهي الآية فيواصل الاهتزاز صامتا. أعود إلى الصالون الصغير. يقترح الولد الكبير أن نلعب «الكومي».
يظهر أبي عند الباب واللواء من خلفه. أتبعه إلى الخارج. نغادر الفيلا ونأخذ طريقنا إلى المنزل. نتوقف عند حانوت للأدوات المنزلية. يشتري دستة أكواب صغيرة زجاجية صغيرة لشرب الشاي تزين جوانبها نقوش ملونة. يضعها على البوفيه قائلا إنها للعيد.
يرتفع نداء بائع الزبادي. يلتقط سلطانية فارغة من الفخار البني اللون. ندخل الغرفة ونفتح باب البلكونة. ينادي البائع ويعطيها له. يستخرج البائع واحدة ممتلئة من أسفل غطاء من القماش الأبيض. يناولها لأبي.
يتردد صوت المسحراتي من بعيد: قوم يا نايم وحد الدايم. يقترب صوت طبلته. يلج الحارة. لا تبدو ملامحه في الظلام. يقف أمام كل منزل وينادي السكان بأسمائهم. يدق على الطبلة في نهاية كل اسم. ينادي اسم أبي ثم اسمي.
5
يعد أبي طبقا من البيض المقلي. أسأله: هي «فاطمة» فين؟ يقول: بتعيد.
نتناول الإفطار في الصالة. يجلب براد الشاي. يصبه في اثنين من الأكواب الجديدة. يضع السكر ويقلبه. أتناول كوبي فتنفصل قاعدته ويسيل الشاي الساخن على المائدة. يجرب كوبه فيحدث المثل. ينهض واقفا. يترك كل شيء كما هو على المائدة. نغسل أيدينا.
صفحه نامشخص