نواصل اللعب. أشعر بثقل جفني.
أقاوم النعاس بصعوبة. تقول: كفاية كده. تنظر إلي: استأذن من أبوك تبات معانا. أجده جالسا فوق السرير مستندا بظهره إلى القائم. يقرأ في كتاب. أتوسل إليه أن يتركني أبيت معهم. يوافق. أعود إلى الغرفة.
تصحبنا إلى دورة المياه. تقف في مدخل الطرقة بينما نتبول. يغسل الولدان قدميهما في الحوض. نعود إلى الغرفة. تبسط البطانيتين المطويتين وتفرشهما على الأرض. تشير للولدين أن يستلقيا فوقهما. تعطيهما وسادة طويلة. تغطيهما ببطانية. تقول لي: نام جنب الحيطة عشان متقعش.
أضع نظارتي على الشوفينيرة. أرتقي السرير. أتمدد إلى جوار الحائط. تخلع الروب. تطفئ النور. تستلقي بجواري. تضمني إلى صدرها. يستقر رأسي فوق نهديها. أشم رائحتها النظيفة. تفلتني وتستدير معطية ظهرها لي. تقول: تصبحوا على خير يا ولاد. يرد الولدان في نفس واحد: وانت بخير يا أبلة. أقول: وانت بخير يا ماما. تبسط بطانية فوقنا. أروح في النوم. أستيقظ فجأة. لا أستطيع الحركة. أكتشف أنني في حضنها وساقي بين فخذيها. أسمعها تتنهد. تضمني بقوة. أقول لها: ماما، عاوزة حاجة؟ لا ترد علي. أجذب ساقي من بين فخذيها لكنها تتشبث بي. تفلتني بعد لحظة. يتصاعد شخيرها.
7
يقترب الوجه الأسود ذو العينين الحمراوين في بطء من خلف القضبان الحديدية التي تسد النافذة. أتعرف على «عباس». ينفرج الباب ويظهر مصباح زيت بزجاجة رفيعة مستطيلة. يقترب المصباح. تستطيل شعلته. يطل من خلفه وجه «ماما تحية » الأبيض المدور . «بوكل» الشعر فوق جبينها. الروج في شفتيها. الكونستابل خلفها. يحاول ضمها لكنها تقاوم. تضرب صدره بقبضتيها في قوة محاولة التخلص من ساعديه. تصيح: ده ابنك. ابنك يا كداب يا نصاب. يدهشني أنها لا تتعرف علي. أفتح فمي لأقول لها من أنا. لكن وجهها يتبدل بوجه أمي. الدماء تسيل من شق شفتها السفلى. يتقلص وجهها ويلتوي. يختفي. يظهر مكانه ذراعان كبيران مليئان بالشعر. يقتربان مني. أريد أن أصرخ لكن الصوت لا يخرج من فمي.
أستيقظ فجأة وأنا أرتجف. النور مضاء. أنادي على أبي. أهب جالسا. أتفصد عرقا. أدفع اللحاف. أزحف حتى حافة الفراش والدموع تتجمع في عيني. أقفز إلى الأرض. أندفع إلى باب الغرفة. أفتحه. نور الصالة مضاء. أنادي مرة أخرى: بابا، «ماما تحية». لا يرد علي أحد. غرفة الكونستابل مغلقة. أتجنب النظر ناحية الكنيف. أفتح باب الشقة. أخرج إلى البسطة المظلمة. أتجنب النظر إلى ركن المخزن. أترك الباب مفتوحا وأهبط درجات المدخل جريا. أواصل الجري في الحارة حتى الشارع. أستدير نحو اليمين وأواصل الجري حتى دكان شيخ الحارة.
من غير نظارة أتعرف على الجالسين فوق كراسي على الرصيف. الشيخ «عبد العليم» و«رأفت» أفندي والقسيس. ألمح أبي جالسا على جانب. يستمع في اهتمام إلى شيخ معمم بنظارة. أهرع إليه. يلتفت إلي مكشرا. أقف بين ساقيه. يقول لي: إيه اللي جابك؟ تعتريني نوبة سعال. يتحسس عنقي وصدري. - شوف عرقان إزاي. ينهض واقفا وهو يقول للشيخ: عن إذنك يا فضيلة الشيخ.
يقبض على يدي في عنف. يجرني إلى الحارة ثم المنزل. يغلق باب الشقة خلفنا. يدفعني داخل الحجرة: اطلع. أرتقي السرير. ينحني فوقي ويحكم الغطاء من حولي: مش قادر تفضل شوية لوحدك؟ العفاريت تاكلك؟ لازم أسحبك من إيدي مكان ما أروح؟
يبتعد عني. يهبط عن الفراش. أسعل. يختفي عن نظري في اتجاه باب البلكونة. يعود إلى الظهور. يخطو نحو باب الغرفة. - تعبت. تعبت خلاص. أنا كان مالي ومال العذاب ده. كنت عملت زي «علي صفا». هايص ولا سائل في بناته . يتحول المقعد إلى ما يشبه عربة اليد التي يبيعون عليها الخيار والبلح الأحمر. المزلاج الخشبي يحول بيني وبين الزحف على البلاط والانطلاق في أرجاء الشقة بحثا عن أمي. تحتي فتحة فوق القصرية. أتسلى بالعبث بالدوائر الحمراء والزرقاء والصفراء المثبتة في سلك متين بأحد جوانب العربة.
صفحه نامشخص