فرع: فأما تعظيمه لمصلحة خاصة بالمعظم من تحصيل منفعة دنيوية، أو دفع مضرة في نفس أو مال، فالأقرب أن الشرع لم يبحه لذلك إذ عتاب الله تعالى للمؤمنين في قوله تعالى:?ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة? [الممتحنة:1]، وسبب نزولها وعموم لفظ أولها لكل عدو لله يقتضي تحريم ذلك، إذ نزلت معاتبة على مداهنتهم رجاء منفعتهم، ولفظها عام لكل موادة، فلا يقصر على سببها، وقد نبهنا الله سبحانه على ذلك في قوله تعالى:?قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم?[التوبة:24]. إلى قوله تعالى:?ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين?[التوبة:24]، فنبه سبحانه على أن خوف المضرة من منابذة الظالمين في النفس أو المال، ومفارقة الأحباب ليس وجها مرخصا في ترك جهادهم حيث وجب، وإذا لم يكن كذلك لم يكن رجاء نفعهم وخوف مضرتهم سبب ترخيص في جواز تعظيمهم، سيما وقد قرب من التصريح بذم من فعل ذلك، حيث قال تعالى:?إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها?[النساء:97]، وكفى بظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((القوا الفساق بوجوه مكفهرة)) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من مشى إلى ظالم وهو يعلم أنه ظالم، فقد برئ من الإسلام))، فلا يخرج من هذا العموم إلا ما خصته دلالة واضحة شرعية، ولم يخصص هذا الوجه بالجواز دلالة، ولا يمكن قياس المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، مع أن الآيات التي قدمنا في حكم المصرحة في الفرق بين المصلحتين، [ والخبر روي عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن أناسا من أمتي يقرأون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول: لو أتيتم الملوك فأصبتم من دنياهم واعتزلتموهم في دينكم))] والخبر الذي رواه [الفقيه العالم علي بن محمد القرشي الصنعاني] في الشمس في ذم العلماء المواصلين للأمراء حيث قال: (فأصبتم من دنياهم، واعتزلتموهم في دينكم) مصرح بتحريم ذلك بلا إشكال، فأما ما اشتهر من مواصلة الحسن بن علي عليه السلام لمعاوية وزين العابدين رضي الله عنه لعبد الملك بن مروان، فمن بحث السير والآثار، علم يقينا أنهم لم يصلوا إليهم وصول تعظيم، في مجرد قصد زيارة أو تهنئة أو وداع، وإنما وصلوا في الروايات المذكورة إما مطلوبين إلى حضرتهم، أو لطلب حاجة عامة، فإذا عرض خطاب، أو فعل ظهر منهم الاستخفاف الكلي بهم بالقول، أو بالفعل، ومنه القصة المشهورة للحسن بن علي مع معاوية وأخيه عتبة، وعمرو بن العاص، وما سجل عليهم في ذلك المجلس كل واحد وحده، ومنه ما روى أنه دخل على معاوية في بعض الحوائج، فانقطع معاوية في مشورة بعض أصحابه في جانب المجلس ساعة، فكتب الحسن بن علي في دواة معاوية هذين البيتين:
لنا الفضل يا هذا عليك ببذلنا .... إليك وجوها لم تشنها المطالب
صفحه ۵۶