فمبادئ الجدل مسلمات: إما عامة، وإما خاصة، وإما بحسب شخص. وإنما يؤلف على وجه ينتج بحسب الشهرة قياسا كان أو استقراء - والقياس أشد إلزاما لأنه أقرب إلى العقل، والاستقراء أتم إقناعا لأنه أقرب إلى الحس.
والجدل أعم من البرهان مادة وصورة.
فائدة القياس الجدلي
ومنفعته إلزام المبطلين والذب عن الأوضاع، وإقناع أهل التحصيل من العوام والمتعلمين القاصرين عن درجة البرهان، أو الذين لم يصلوا إلى موضعه بعد.
موضوع نظر الجدلي
وليس موضوع نظر الجدلي بمحدود، بل قد ينظر في كل فن من النظرية والعملية وما يجري مجرى المنطقية مما ينفع في غيره.
بماذا تحصل ملكة الجدل
والأدوات التي تفيد الارتياض بها ملكة الجدل أربع: استحضار المشهورات من كل نوع، وأعدادها، والاقتدار على تفصيل معاني الألفاظ المشتركة والمشككة وعلى التمييز بين المتشابهات بالفصول والخواص ليقتدر بها بإيراد الفرق على إخراج شيء من حكم يعمه وغيره، وعلى تحصيل التشابه بين المتباينات بالأوصاف الإيجابية والسلبية ليقتدر على إدخال الشيء في حكم يثبت لغيره.
الموضوع في الجدل
وكل حكم منفرد يتشعب منه أحكام جزئية يصلح لأن يجعل مقدمات الأقيسة يسمى موضعا، وربما لا يكون مشهورا، وإنما تلحق الشهرة جزئياته.
مقدمات الجدل
والمقدمات هي التي يسئل عنها وتتألف منتجة لما يكون ناقضا للوضع.
محمولات الجدل
ومحمولاتها إن كانت مساوية لموضوعاتها فهي حدود أو خواص، والخواص مفردة ومركبة - ومنها الرسوم - وإن لم تكن مساوية فالواقعة منها في طريق " ما هو " أجناس أو فصول ولا يفرق بينهما ههنا؛ وغيرها أعراض.
شرائط المحمولات الجدلية
ولا بد من إثبات الوجود في الأعراض، ومن إثبات المساواة أو الوقوع في جواب " ما هو؟ " مع ذلك في الخواص والأجناس، ومن القيام مقام الاسم مع جميع ذلك في الحدود - وهذا بحسب الشهرة - .
والتحقيق يقتضي إثبات كون كل شرط يخص بعضها مسلوبا عن البعض الآخر، ليتم تحققه، وأن يكون الحد متساويا للماهية ولا يحتاج إلى إثباته.
وأما ههنا فقد يكتفي بما يميز - أي شيء كان - ولذلك ربما يحتاج إلى إثباته، فالأسهل إثباتا أعسر إبطالا وبالعكس.
ما ينبغي أن يتدرب فيه المجادل
وينبغي للجدلي أن تكون عنده مواضع معدة للإثبات والإبطال
مطلقا، ومواضع تخص الجنس والخاصة والحد. وتلحقها مواضع الأولى والآثر - وهي متعلقة بالأعراض - ومواضع لهو هو - وينتفع بها في الحدود - .
وتفصيل المواضع لا يليق بالمختصرات فلنقتصر على الأمثلة.
مواضع الإثبات والإبطال
ونقول: من مواضع الإثبات والإبطال ما يتعلق بجوهر الوضع، وهو أن يحلل المطلوب وأجزاؤه إلى ذاتياتها وعوارضها، ومعروضاتها ولوازمها، وملزوماتها وجزئيتها، وأجزائها كلها بحسب الشهرة، ويطلب منها ما يقتضي الإثبات والإبطال بالقياس أو بالاستقراء.
ومنها أن يطلب ما يقابله أو يناقضه، ويطلب منه ما يلحق جزءا منه دون الجزء الآخر للإبطال.
ومنها ما يتعلق بالأمور الخارجة، كالشروط المذكورة في التناقض، فإن اختلافها يفيد الإبطال.
وأيضا أحوال الثبوت - كالدوام واللادوام، والأكثرية والأقلية - فإنها تفيد الإثبات.
ومنها مواضع عامة مشتركة، مثل ما يحكم بلحوق ضد اللاحق بحال لضد الملحوق بتلك الحال، أو بعينه لضد تلك الحال؛ أو بلحوق اللاحق بعينه لضد الملحوق بضد تلك الحال. كما يقال - مثلا - : " إن كان الإحسان إلى الأصدقاء حسنا فالإساءة إلى الأعداء حسنة، أو إن كان الإحسان إلى الأصدقاء حسنا فالإساءة إلى الأصدقاء قبيحة أو إن كان الإحسان إلى الأصدقاء حسنا فالإحسان إلى الأعداء قبيح " .
ومثل لحقوق الضد بمثل ما يلحق به ضده على السوية - كالبغض بالشهوية للحوق الحب بها - .
ومنه ما يقابله، كقولنا: " إذا كان الشيء ثابتا فمساويه ثابت " " وإذا كان غير الأولي فالأولى ثابت " .
وفي الإبطال بالعكس. وأيضا حكم المتشابهات واحد.
وأيضا يثبت لمقابل الموضوع ما يقابل محموله، مثل أن يقال: " إن كانت الشجاعة فضيلة فالجبن رذيلة " . ومن النظائر والاشتقاقات: " إن كان الشجاع فاضلا فالشجاعة فضيلة " .
ومن التصاريف: " إن كان ما يجري مجرى العدل يجري مجري الشجاعة فالعدل شجاعة " .
صفحه ۱۷