تجديد العربية: بحيث تصبح وافية بمطالب العلوم والفنون
تجديد العربية: بحيث تصبح وافية بمطالب العلوم والفنون
ژانرها
أما الأمر الثاني، فقول بعض المشتغلين: إن أسماء الحيوان والنبات في اللغات الأوروبية إنما هي منحوتة. وفي الحق أن هذا الكلام فيه إسراف راجع إلى سوء التعبير؛ ذلك بأن صوغ أسماء الحيوان والنبات في الاصطلاح الأوروبي أبعد ما يكون عن النحت كما يعرف في اللغة العربية، وإنما هو تركيب، ومعنى التركيب أخذ لفظين أو أكثر من الألفاظ اللاتينية أو اليونانية، أو أحدهما من هذه والآخر من تلك، يكون في كل منهما معنى يلحظ في المسمى، ثم تعقد كلمة واحدة لتدل على حيوان أو نبات من غير أن يحذف من حروفها شيء، وهذا ما يعرف في العربية بالتركيب المزجي، مثل: بعلبك، ومعديكرب، وبختنصر وحضرموت ... إلخ . وليس هذا من النحت كما يعرف في لغتنا؛ فإن من أصول النحت حذف بعض حروف من اللفظين المراد نحت لفظ واحد منهما، واختيار أكثر الحروف ملاءمة جرس وموافقة للسليقة العربية. والدليل على هذا أن كل من درس اللغتين: اللاتينية واليونانية، يستطيع أن يحلل أي اسم مركب لحيوان أو نبات إلى عناصره الأولية؛ لأن كل عنصر منها إنما يندمج في الاسم المركب كاملا غير منقوص الحروف، على العكس من الألفاظ المنحوتة فإن من أصول نحتها أن تحذف بعض حروفها وتختصر اختصارا قد يكون كبيرا، وقد يكون غير ذلك بحسب ما يوافق جرس العربية وأوزانها.
وفي المعاجم العربية وغيرها من المظان اللغوية كلمات منها خماسي ومنها رباعي أو سداسي، يستحيل علينا أن نعرف الأصل فيها: أهي ناشئة بالنحت من كلمتين؟ أم هي مشتقة بزيادة حروف لم تكن من أصولها الثلاثية أو الرباعية؟ وهذه الكلمات إما صفات وإما أسماء، وإليك بعضها:
علابط، جردحل، جمحل، خبنذاة، بخنداة، صلغد، صمخد، صمغد، صفنددة، عبرد، عجرد، عجارد، عجلد، عصلد، عصلود، عطود، عكرد، عكرود، عكلد، قعفزى، عكرشة، عجرمة، عضمزة، قلمزة، جنعس، جنفس، حيلبس، حلبس، حلابس، حندلس، حنفس، حفنس، دودمس، ضعرس، ضغبس، ضنفس، طرطبيس، طملس، طنفس، طهليس، طغمشة، طرفشة، عكمش، عنكشة، عيدشون ... إلخ. هذه الكلمات على كثرتها، هي في صفحات معدودات من لسان العرب، ولكن ما أصولها اللغوية؟
لنا أن نعلل أصل هذه الكلمات: إما بأنها مشتقة بطريق زيادة حروف على بنية كلمة أصلية ليفيد المزيد معنى له صلة بالمعنى الأصلي المستفاد من اللفظ المزيد عليه، وإما منحوتة. وطريق الاستدلال على اشتقاق بعضها بالزيادة أسهل وأهون من الاستدلال على أن بعضها منحوت إن كان منحوتا حقيقة. ولكن الحق أن أكثرها منحوت، وسنضرب على ذلك الأمثال الحية، راجعين إلى مظان اللغة الوثيقة.
فإن في هذه اللغة العربية الكريمة لطواعية يتعذر وجودها في لغة أخرى، وإن فيها لاشتراكا في معاني الألفاظ يقتضيه اشتراك الألفاظ في الحروف على نحو قد يلوح غريبا لو لم يكن قد دل عليه ثقات اللغويين. وقد تكلم في هذا الأمر الإمام «ابن جني» في كتابه «الخصائص» في فصل سماه «الفصل بين الكلام والقول» واستنتج من البحث في لفظة «قول» أن هذه اللفظة أين وجدت، وكيف وقعت من تقدم بعض حروفها على بعض وتأخره عنه، إنما هو للخفوف والحركة قال: «إن معنى «ق و ل» أين وجدت، وكيف وقعت، من تقدم بعض حروفها على بعض وتأخره عنه، إنما هو للخفوف
2
والحركة، وجهات تراكيبها الست مستعملة كلها لم يهمل شيء منها، وهي «ق و ل»، «ق ل و»، «و ق ل»، «و ل ق»، «ل ق و»، «ل و ق».» (1)
الأصل الأول «ق و ل»: وهو القول وذلك أن الفم واللسان يخفان له ويقلقان ويمذلان،
3
وهو بضد السكوت الذي هو داعية إلى السكون، ألا ترى أن الابتداء لما كان آخذا في القول لم يكن الحرف المبدوء به إلا متحركا، ولما كان الانتهاء آخذا في السكوت لم يكن الحرف الموقوف عليه إلا ساكنا؟ (2)
صفحه نامشخص