قوضت من علاك شم المباني
يظلم الناس بعضهم منذ كانوا
طال ظلم الإنسان للإنسان
وإذا كان في الحياة قليل
من نعيم فذاك للتيجان
والعقول التي نخال أنارت
استسرت في ظلمة الأديان
انتهيت من صحائفي السود وما صدقت أن سأنتهي، تلك فصول أدمجت فيها وصف آلامي، وكان طيها خيرا من نشرها لولا لجاجة النفس شديدة النزوان. ولو كان في نطاق الصبر سعة لاسترسلت فيها وبلغت بها غايتها، ولكن كان خير مما لو كان. وهذه فصول تجاريب، أقدم عليها جهلا بمخاطرها، كالموغل في الأجمة بليل مسترخي السدول، لا يدري ما وراء أثلاتها وغاباتها، فإن غمرت من مياهها وفوزت من قتادها، فتوفيق غير مؤمل من مثلي، وإن ملكتني سورة هولها وأخذت علي مراودها ومسارحها، فما أنا أول ضال عن قصده، وفي حسن النية مأساة للآيس وتخفيف للملام.
لقد رأيت قوما راعهم ما قرءوه من فصولي، أولئك فريقان، فريق من المسيحيين وفريق من المسلمين، أكبر كلاهما أقوالي ولم تنشرح لها صدورهم، فسكت عنها بعضهم ولامني فيها بعضهم، وأنا في شغل عن الصامت واللائم، هذا باب اجتهاد فتحته لنفسي، ولا يعرف مرادي أحد مثلي، ومن لا يعتمد ما ظهر من رأيي فليأتني بما يحسبني أضمره أو فليدعني وليذهب عني بسلام، وحسبي اليوم أن أقول ما قاله أكثم بن صيفي: إن قول الحق لم يدع لي صديقا.
رأيت كاتبا قال في أحد فصوله إنه يحتقر من يترك الصوم في رمضان ويجهر بذلك، فعلمت أنه عرض بي - عفا الله عنه - لو باليت مثل احتقاره لكنت في موضع غير الذي أنا فيه، ولسوف أواصل جهادي حتى يقلل الله من أمثاله، فإن عشت حتى أدرك المرام كان ذلك فضلا من الله، وإن تحل المنية دون الأماني فكم في هذا الشرق من حر قلامة ظفره خير من حياة ألف ولي الدين.
صفحه نامشخص