في أول رمضان جئت إلى القاهرة لأقضي الشهر مع حورية وحلمي ومع أمي، وبدأ الشهر، بدأ طبيعيا، ولكن ما كادت تمضي منه أيام ستة حتى انفجر في العالم العربي ذاك الخبر الذي قلب موازين العالم أجمع.
مصر تعبر القناة.
كان حلمي في تلك السن التي تبهرها الأنباء ولا تطل إلى ما وراءها، فإذا الفتى يكاد يجن من الفرح، فهو رائح غاد في البيت وفي يده الراديو، أو وهو ممسك به عيناه على التليفزيون التصقتا به.
أما زوجتي فهي خائفة على الشباب الذي يحارب، وهي في نفس الوقت فرحة سعيدة، فهي تعتقد أنه لم يكن لنا سبيل إلى استعادة الحياة إلا بحرب أخرى ولتكن نتيجتها ما تكون. أما أمي فلا تترك كرسي الصلاة على السجادة، فقد كانت لا تستطيع أن تصلي إلا وهي جالسة وهي تدعو الله في تجرد كامل لوجهه سبحانه أن يحمي أبناء مصر المحاربين.
أما أنا فقد كان أمري عجيبا! لقد توقعت هزيمة محققة. والآن وأنا أفكر بعد كل هذه السنوات أجدني كنت محقا في تفكيري، وإلا فكيف لجيش هزم منذ ست سنوات فقط في ست ساعات أن يعود إلى حرب أشد شراسة بنفس الرجال ونفس السلاح ويريد أن ينتصر؟!
لقد كان في الحرب الأولى مع العدو على أرض واحدة لا تفصله عنه حدود من طبيعة أو من صنع الإنسان، والآن يريد أن يعبر القنال ويحطم خط برليف وما فيه من ألسنة لهب مثلوها لنا كنار جهنم، ثم ينتصر!
أينهزم ولا حدود بينه وبين عدوه وينتصر وبينه وبين عدوه حواجز من بحار وجبال ونيران؟! هيهات!
ولكن الآن لا بد أن أقول إذا لم يكن الجيش قد انتصر وأمامه كل هذه العقبات لما حقق المعجزة، وقد شاء ربك من فوق سماوات سبع أن يقول لعباده آمنوا بي، فإن أكن قد قطعت عنكم رسالات السماء فإني أرحم بكم من أن أقطع عنكم معجزاتها.
وتمت المعجزة.
ويماري فيها أقوام في نفوسهم إحن وأحقاد مثل حسن وحامد ولكنها معجزة. وما لهذين ولأمثالهما ألا يماروا! وإلا فماذا كنا نريد منهم أن يقولوا؟! أعيدوا إلينا شلالات الأموال التي كانت تنسكب علينا، وآيات المجد التي كانت تحيط بنا، وطقوس الإجلال التي كانت تفرش تحت أقدامنا.
صفحه نامشخص