وأمام هذا المنطق الحاسم لم يجد صاحب المصنع مناصا أن يدفع الأجر الذي اتفق عليه.
ولكن بعض الدول العربية ما زالت تفكر بتفكير صاحب المصنع، وقليلة هي الدول التي تفكر بتفكير المهندس؛ فالخبرة التي تقدمها مصر إلى الدول العربية هي خبرة آلاف السنين تلقوها من أجدادهم الذين بنوا الأهرام مارين بكل ما مرت به مصر من تجارب، فالصانع المصري لا مثيل له في العالم، والعلماء المصريون يقفون مع علماء العالم على قمة واحدة، والمثقف المصري هو منارة العالم العربي أجمع .
فما لي أرى الناس في الكويت تعاملنا نحن المصريين المقيمين فيها هذه المعاملة وقد شهدتهم يستقبلون الأدباء المصريين والعلماء والفنانين أعظم استقبال ويحتفون بهم كل الاحتفاء ويجلونهم غاية الإجلال.
ولكن المقيم عندهم لا يلقى من هذا شيئا. وأعرف أن الشعب الكويتي مثله مثل الشعوب العربية جميعا يحب مصر والمصريين غاية الحب، ولم لا وقد تعلموا على مدرسيهم وحفظوا شعرهم وغنوا غناءهم! فما بالهم إذن إذا أقام معهم المصريون تكبروا وشمخوا عليهم بأنوف عربية من شأنها أن تعرف الكبرياء ولا يجوز لها أن تعرف التكبر. يذكروننا ببيت الشعر القديم:
وكان بنو عمي يقولون مرحبا
فلما رأوني معدما مات مرحب
وعلم الله ما أصبحت مصر معدمة إلا بظروف قاهرة فرضت عليها فرضا ولم نخترها، وعلى أية حال فقد أنفقت مصر على الحروب العربية ما أبهظ مقدراتها بقدر ما أبهظها المتلفون الذين أضاعوا أموالها، وأذكر البيت القديم أيضا:
يعيرني في الدين قومي وإنما
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أكان ذنبنا أن حاربنا نحن وخلطنا بالمال دماءنا دفاعا عن العرب؟ أم كان ذنبنا أن تولى أمرنا من جلب علينا هزيمة 67. ولماذا اعتبرت هزيمة 67 هزيمة لمصر وحدها ولم تعتبر هزيمة للعرب أجمعين؟
صفحه نامشخص